«بيغاسوس» والتجسس على الناس
بين كل فترة وأخرى تطل علينا فضيحة تبين إلى أي درجة صار بإمكان الحكومات أن تتسلل إلى خصوصيات الناس وتتابعهم بشكل لصيق، وأنها لن تتوقف عن متابعة خصومها أياً كانوا. الصورة بالطبع مشابهة لما طرحه جورج أورويل في مفهوم "الأخ الأكبر"، المسيطر على أنفاس الناس.في ذات الإطار، جاءت ملفات ويكيليكس، وأوراق بنما، وما كشفه إدوارد سنودون من تجسس الحكومة الأميركية على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على سبيل المثال، وغيرها كثير. ولولا وجود منظمات دولية غير حكومية، تطور عملها في السنوات الأخيرة، لظلت تلك الأفعال خاضعة للتكهنات.مشروع بيغاسوس بدأته "قصص محرمة"، وهي منظمة فرنسية متخصصة في الدفاع عن الصحافيين، حيث حصلت على ٥٠ ألف رقم مدرجة كضحايا للتعقب والتجسس عبر برنامج بيغاسوس لشركة "إن إس أو" الإسرائيلية. واستعانت المنظمة بمنظمة العفو الدولية، التي وفرت إمكانياتها عبر مختبرها الأمني وبالتعاون مع 17 مؤسسة إعلامية. الهدف من المشروع هو التحقيق في إساءة استخدام التكنولوجيا التجسسية لملاحقة الصحافيين والنشطاء والمعارضين السياسيين وغيرهم. واتضح في البحث الأولي تعرض 80 صحافياً على الأقل.
إلا أن حصيلة الأرقام المجمّعة تجاوزت الصحافيين، حيث شملت أيضاً 3 رؤساء حاليين و10 رؤساء حكومات، وملكاً، و7 رؤساء وزارات سابقين. كما شملت 600 مسؤول سياسي في 34 دولة. وكانت الدول المذكورة فيها الأرقام كمثال هي أفغانستان وأذربيجان والبحرين وبوتان والصين والكونغو ومصر وهنغاريا والهند وإيران وكازاخستان والكويت ومالي والمكسيك ونيبال وقطر ورواندا والسعودية وتركيا والإمارات وتوغو وبريطانيا وأميركا، وبالطبع هناك أكثر، ولكنها محصورة على الـ 50 ألف رقم، التي يتم التحقيق فيها.كما هو متوقع، فإن العديد من الدول الواردة أسماؤها نفت تورطها في أي شيء غير قانوني، مع وضع خطوط تحت كلمة قانوني.البرنامج تبيعه وتسوقه شركة "إن إس أو"، عبر أكثر من 60 وكيلاً في أكثر من 40 دولة، وتكمن خطورة البرنامج في أنه يستطيع الدخول على أي هاتف ذكي بمجرد الاتصال دون حاجة للرد، ويصبح بالإمكان تتبعك، ومعرفة مكان وجودك، وقراءة كل المحتويات بالجهاز وأي وسائل ووسائط أخرى، مما يعني أنه دون أن يشعر صاحب الجهاز يتم توظيف جهازه في التجسس عليه. الفكرة ليست جديدة، ولكنها هذه المرة أكثر وضوحاً وأكثر استخداماً. وللحديث بقية.