«بيغاسوس» والتجسس على الناس (2)
"بيغاسوس" أسطورة إغريقية عن حصان ذي جناحين، أما الآن فهي تطبيق تجسسي يخترق الهواتف الشخصية، تابع لشركة "إن إس أو" الإسرائيلية، تبيعه في أكثر من ٤٠ دولة. وفي سبيل كشف انتهاك البرنامج لخصوصيات الناس، واستخدامه من قبل أنظمة ديكتاتورية ضد الناس؛ قامت مؤخراً عدد من المنظمات الحقوقية، منها منظمة العفو الدولية، بتحقيق واسع تحت اسم "مشروع بيغاسوس"، كشفت فيه عن تخزين ٥٠ ألف رقم هاتف، تخص عدداً كبيراً من القيادات، والفعاليات المعارضة بعشرات الدول. التطبيق يستطيع الدخول للنقال دون شعور صاحبه، ودون ترك أثر، أي "الضغطة الصفرية". ويزداد نشاط التجسس في أحداث معينة، كالانتخابات أو الحروب، كما في الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، حيث ساندت إسرائيل أذربيجان، حسب تصريحات مساعد الرئيس الأذري، حكمت حاجييف، لصحف إسرائيلية.عالم التجسس قديم قدم البشرية، و"إن إس أو" ليست إلا أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الجاسوسية، إلا أن مشروع بيغاسوس كشف عن عملاء يتجسسون على مواطنين عاديين ويستهدفونهم، لا على إرهابيين أو مجرمين أو تجار مخدرات، كما يدعي رئيس الشركة شالف هوليو.
كانت المكسيك، مثلاً، من أكثر الدول تعرضاً للانتهاكات، حيث تم اختراق هواتف زوجة وأولاد ومساعدي الرئيس، وحتى سائقه وطبيبه الخاص، وبلغت أرقام التلفونات المخترقة أكثر من ١٥ ألف رقم. وقد أدت تلك السلوكيات المشينة إلى سوء سمعة الشركة، وكان التحقيق الدولي الأخير هو آخرها، ولذا تحاول الشركة دائماً تحسين سمعتها، فكان أن احتفلت في يناير الماضي باليوم العالمي للخصوصية الرقمية، وهي أكثر من يخترق تلك الخصوصية! وفي إطار تحسين السمعة، سعت الشركة لتوظيف شخصيات أميركية مؤثرة كمستشارين، والقائمة طويلة، من أبرزهم دان شابيرو، السفير الأميركي الأسبق لإسرائيل والمرشح لمنصب المبعوث الأميركي بالشرق الأوسط. كما حاولت الشركة توظيف وزير الخارجية الأميركي الحالي توني بلينكن، عبر شركته الاستشارية "وست إيكسيك أدفايزرز"، والزاخرة بأهم الموظفين السابقين الأميركان في الأمن الوطني، إلا أن شركته رفضت التعامل معهم."بيغاسوس" ليس برنامجاً عادياً، فبقدر ما هو أداة للتجسس على الناس، عبر العملاء، هو في الوقت ذاته أداة للتجسس على العملاء أنفسهم، كما أن "إن إس أو"، ليست شركة عادية، فالدور الإسرائيلي المدمر للمنطقة يتجاوز عنصريتها واضطهادها واجتثاثها لفلسطين.أظرف ما في الموضوع أن التقرير السنوي للشركة، التي تزعم الشفافية، لم يكن شفافاً عن زبائن الشركة.