إيران ستواجه «كارثة» في السنوات القادمة بسبب شح المياه، وهذه «الكارثة» ستحصل نتيجة 50 عاماً من السياسات المغلوطة، وطوال خمس سنوات مضت كانت إيران تغلي بالاحتجاجات والمواجهات الدامية في كل صيف تقريباً، بعد أن تحولت قضية نقص المياه إلى «أزمة اجتماعية كبرى» قد تغيّر وجه إيران. أخطر ما في الموضوع أن «شح الموارد المائية» سيؤدي إلى موجات متتالية من «الهجرات الكبيرة» إلى وسط وشمال إيران من المناطق المتأثرة بالجفاف، ليس ذلك فقط، بل وفقاً لتحذيرات عيسى كالانتري، مستشار المياه والزراعة لنائب الرئيس الإيراني السابق «إذا لم تغير أسلوبها في استخدام المياه، فالنتيجة قد تكون صراعات أهلية وهجرات جماعية»، وأضاف «ما يقرب من 50 مليون شخص، أي 70 في المئة من الإيرانيين، لن يكون لديهم خيار سوى مغادرة البلاد».
الأرقام ليس فيها تهويل والسيناريو القادم يخلو من المبالغات فقد سبق أن كتبت عن هذا الجانب أكثر من مرة، وبحسب الخبراء والمختصين فالهجرة المتوقعة كما رسمت منذ عامي 2017 و2018 ستكون على مستويين: الأول من الريف إلى المدن، والثاني من داخل إيران إلى دول الجوار، وهذا سيتم خلال السنوات العشر القادمة! بعد أن استنفدت البلاد 85% من المياه الجوفية بسبب سوء الإدارة وأصبح هناك 40% من الأراضي يقع تحت خطر الجفاف. بعبارة أوضح، الأزمة ستدفع بتدفق غير مسبوق للاجئين الإيرانيين نحو بلدان الخليج العربي، وهي دول الجوار الجغرافي وغيرها من المناطق القريبة والمستقرة، وما شهدناه خلال الأسابيع الماضية لم يكن جديداً فخلال الأعوام الأربعة الماضية شهدت مدن أصفهان والأهواز وفارس وبوشهر تظاهرات واحتجاجات أدت إلى صدامات دموية سقط فيها قتلى. قد يبدو الموضوع للوهلة الأولى أنه شأن داخلي محض، لكن قراءة المفكر والباحث اللبناني سعد محيو تذهب بنا إلى منحى مختلف تماماً، فهو صاحب مبادرة إنشاء منتدى التكامل الإقليمي، ولديه إنتاج فكري غزير بهذا الصدد، صدر تحت عنوان «الخروج من جهنم انتفاضة وعي بيئي كوني جديد أو الانقراض»، وهو قراءة متفحصة لاشتماله على جوانب ذات صلة بالكارثة البيئية الراهنة في العالم. يعتبر المفكر سعد محيو «أن إقليم المشرق المتوسطي يحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث المناطق المهددة بنضوب المياه الكافية لشعوبه، والأزمة البيئية «توحّد» هذا الإقليم بشكل مشترك تدفعه إلى الهاوية، فقد بات تغير المناخ وتلوث البحار والمياه والأجواء (قبل أزمة كورونا) في أي بلد في منطقتنا، معطوفاً عليه ضغوط اللاجئين والديموغرافيا، يؤدي إلى كوارث متمثلة في بقية بلدان المنطقة. ومن وجهة النظر هذه، فهناك دافع خطير آخر يحتم التكامل كقدر لا مفر منه، «المصير الطبيعي» المشترك لأمم الإقليم الأربع، يقصد «العرب والترك والإيرانيين والكرد»، إذ إن مسائل البيئة وتلوث البحار والجو والتربة، وصراعات الموارد الطبيعية المشتركة (إقامة السدود على سبيل المثال) خصوصاً على صعيد المياه والنفط، ومخاطر تغير المناخ الذي بات يطول جميع سكان الإقليم بلا استثناء، أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، هذه المسائل كما يراها، لم تعد «مشاكل مؤجلة» كما كان الأمر طيلة العقود الماضية، بل أصبحت أمراً واقعاً اليوم، وبالتالي فهي دافع «لتوحّد» الإقليم وإن في سلبياتها، أكثر بكثير من كل ما تفعل النظريات والمؤتمرات والمعاهدات الإقليمية والدولية. يستدعي الباحث والمفكر سعد محيو كلام توماس فريدمان في هذا المقام بقوله «كل الناس في هذه المنطقة يلعبون بالنار، فهم يتقاتلون على من يجب أن يكون الخليفة، وإذا ما واصل هؤلاء الناس طريقهم المخطئ الراهن فستأخذهم أمُّنا الطبيعة جميعاً إلى الهاوية»! جملة أخيرة ينهي فيها سعد محيو مطالعته بالقول «ستجد أمم الإقليم الأربع نفسها مضطرة إلى الجلوس معاً للبحث في كيفية الحفاظ على البقاء في خضم الكوارث البيئية الزاحفة بزخم هائل، بدل الاحتراق أو الغرق معاً»!
مقالات
المياه تدفع بالإيرانيين نحو الخليج
29-07-2021