تونس: إعفاءات رئاسية... والقضاء يلاحق «النهضة»
• وزير الخارجية يُجري اتصالات طمأنة دولية
• الغنوشي: «العصر الجديد» لا يبشّر بالخير
وسط ترقّب لإعلان خريطة طريق تحدد خطوته التالية للخروج من الأزمة خلال 30 يوماً، واصل الرئيس التونسي قيس سعيّد تطبيق تدابيره الاستثنائية، وأقال المزيد من كبار مسؤولي الدولة، في وقت بدأ القضاء ملاحقة خصمه الأكبر حزب النهضة الإسلامي بتهمة التمويل الخارجي.
مع توسيع الرئيس التونسي قيس سعيّد حملة الإقالات لكبار مسؤولي الدولة، خصوصاً في مجلس الوزراء، بدأ القضاء التحقيق في تُهم لحزب حركة النهضة الإسلامية بتلقّي أموال من الخارج خلال الحملة الانتخابية في 2019.ووفق المتحدث باسم المحكمة الابتدائية بالعاصمة تونس، محسن الدالي، أمس، فإن التحقيقات فتحت بناء على شكوى تقدّم بها حزب التيار الديموقراطي، القريب من الرئيس، يوم 14 الجاري، موضحاً أنها تشمل أيضاً حزبَي قلب تونس الليبرالي وعيش تونسي، ويمكن لقاضي التحقيق أن يصدر قرارات، مثل منع السفر وتجميد الأموال.وفي وقت سابق، أشار سعيّد، الذي تضمنت إجراءاته الاستثنائية توليه رئاسة النيابة العمومية، إلى وجود ملفات عدة لا تزال في رفوف وزارة العدل، ولم يتم اتخاذ إجراءات رسمية في شأنها، متعهداً بتحريكها لملاحقة الفاسدين والمجرمين، وعلى رأسهم النواب المتورطون في قضايا مالية، وغيرها، أو من صدرت في حقهم أوامر توقيف وبقيت ملفاتهم في أدراج المحاكم.
وللمرة الثانية في أقل من أسبوع، استدعى سعيد المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية الكبرى، لعقد اجتماع جديد لبلورة الخطوات اللاحقة، بعد تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة على نوابه.وأوردت وسائل الإعلام أن سعيد يدرس مع المجلس الأعلى للجيوش مسألة وضع شخصيات سياسية متهمة بالفساد في الإقامة الجبرية، ووضع الترتيبات لحماية الحدود الجنوبية، بعد ورود معلومات عن محاولة بعض الميليشيات التسلل من غرب ليبيا. كما قرر سعيد، نشر القوات المسلحة أمام مقر القطب القضائي لمكافحة الفساد، ومنع دخول الموظفين من العمل، تخوفاً من تهريب ملفات تدين الفساد السياسي.وفي مؤتمر صحافي، طالبت هيئة الدفاع عن الناشطَين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين اغتيلا بالرصاص أمام منزليهما في 6 فبراير و25 يوليو 2013، أمس، "برفع الحصانة عن زعيم "النهضة" رئيس البرلمان راشد الغنّوشي، والتحقيق في مصدر أموال مشبوهة"، مؤكدة أنها ستلجأ لتحقيق شعبي بالجهاز السري لحركته، التي تسيطر على أغلبية البرلمان المجمدة أعماله.ومع دخول قرارات إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وتوليه السلطة التنفيذية ومهام النيابة العامة، أقال الرئيس التونسي دفعة جديدة من المسؤولين في مقدمتهم مدير ديوان رئيس الحكومة المعز لدين الله المقدم، والكاتب العام للحكومة وليد الذهبي، وجميع مستشاري رئيس الحكومة المقال، وهم رشاد بن رمضان وسليم التيساوي ومفدي المسدي، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية عبدالرزاق الكيلاني.
الغنوشي والبحيري
في المقابل، أعلن الغنوشي، في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، سعيه لتكوين جبهة وطنية لمواجهة سعيّد ووقف "مسار التدهور نحو الدكتاتورية الدستورية"، محذراً من أن الأمور لا تبشر بخير في "العصر الجديد".وأشار الغنوشي الى أن "البرلمان أغلق بدبابة وصودرت مكاتب عدد من وسائل الإعلام"، في حين أقرّ القيادي في حزب النهضة نورالدين البحيري "بوجود صعوبات وأخطاء ونقائص بالحركة"، لكنّه عقب: "النهضة لم تحكم بمفردها، ولم تكن الحزب الحاكم، لكن نحن نراجع يومياً مواقفنا، ولنا أمانة أخلاقية ودينية ووطنية، ونقول الحق على أنفسنا، ليس لنا مشكل شخصي مع الرئيس، لكنّه أخطأ بأخذ إجراءات مخالفة للدستور".تركيا وقطر
دولياً، بحث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خلال اتصال هاتفي أمس الأول، الأزمة في تونس وأبرز المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما استعرض علاقات التعاون الاستراتيجية وأوجه تعزيزها وتطويرها.وبعد تناوب وزارة الخارجية التركية والمتحدث باسم الرئاسة على انتقاد قرارات سعيّد "وتعليقه العملية الديموقراطية وتجاهل إرادة الشعب"، أعرب وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، خلال اتصال أمس مع نظيره التونسي عثمان الجرندي، عن "الحرص على أمن واستقرار تونس وثقته بقدرة شعبها على تجاوز هذا الظرف الدقيق، استناداً للأسس المتينة لمؤسسات الدولة"، مؤكداً "وقوف تركيا ومساندتها لكل ما فيه مصلحة وخير الشعب التونسي وتحقيق تطلعاته".طمأنة الشركاء
وفي خطوة لطمأنة المجتمع الدولي، أطلع الجرندي شركاء تونس وعدة دول شقيقة وصديقة وعددا من المسؤولين في المنظمات الإقليمية والدولية على تطورات الوضع.وإضافة إلى جاويش أغلو، أجرى الجرندي سلسلة اتصالات بوزراء خارجية إيطاليا وفرنسا وألمانيا والسعودية والكويت ومصر ومفوضة حقوق الإنسان وممثل الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي والأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، مؤكدا أن قرارات سعيّد هدفها الحفاظ على المسار الديموقراطي وحماية المؤسسات الدستورية وتحقيق السّلم الاجتماعي.وأكد الجرندي، في مكالماته، أن "هذه التدابير تهدف إلى التنظيم المؤقت للسلطة، إلى حين زوال حالة الخطر الداهم على الدولة، مع ضمان كل الحقوق والحريات وعدم المساس بها".دعم سعودي
وأعلنت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، أن المملكة تتابع مجريات الأوضاع في تونس، وتحترم كل ما يتعلق بشأنها الداخلي وتعده أمراً سيادياً، معربة عن ثقتها بقيادتها في تجاوز هذه الظروف، وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي وازدهاره.وتلقى سعيّد رسالة شفهية من نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، نقلها له وزير الخارجية رمطان لعمامرة، في قصر قرطاج، كما التقى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ناقلاً رسالة مماثلة من الملك محمد السادس، وفق الرئاسة التونسية.وبينما اعتبرت وزارة الخارجية البريطانية أن الحل في تونس يتحقق فقط عبر مبادئ الديموقراطية والشفافية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، وطالبت كل الأطراف بحماية المكتسبات الديموقراطية لثورة 2011، أكدت "الخارجية" الأميركية أن الوضع يتطور ونشجع جميع الأطراف على الامتثال للدستور التونسي واحترام الديموقراطية وحقوق الإنسان.وفي فرنسا، نبّه وزير الخارجية، جان إيف لو دريان، نظيره التونسي، أمس، إلى أهمية تعيين رئيس جديد للوزراء وحكومة على وجه السرعة.