وجهة نظر: «تويتر»... السياسيون والشعبية الكاذبة
أصبح تأثير «تويتر» السياسي يفوق المتوقع بكثير، فكم من قرار ألغي أو تم نفيه، وكم من قرار لم يكن ليصدر لولا أن حملات «تويتر» فرضته، ليس عندنا فقط بل في معظم دول العالم التي تهتم بالتوجهات الشعبية أو تحسب لرغبات الناس حساباً، فقد أصبحت الحملات المنسقة (الهاشتاقات) كفيلة بتغيير مسار الأمور إلى عكس اتجاهها، وهو ما جعل معظم السياسيين يولونه اهتماماً يعادل نشاطهم العملي كاملاً، فينشر بعض نوابنا مثلاً أخبارهم ونشاطاتهم في حسابهم بشكل يفوق ما يطرح في الجلسات أو أمام البوديوم.ورغم أني جديد عهد في «تويتر» لكني ومن واقع خبرتي الإعلامية الطويلة كقارئ قبل أن أكون ممارساً، أصبحت أعرف المغرد من أول تغريدة أقرأها له، بل أصبحت أرفع شعاراً أراه مصيباً ودقيقاً هو «غرّدوا تُعرفوا»، فمهما حاول السياسي إخفاء قصده فإنه يظهر في (فلتات) تغريداته.ولأن زمن كورونا وفر الوقت والمزاج الكافيين لمتابعة حسابات النخب السياسية في «تويتر» بطريقة أكثر خصوصية و(حميمية)، فقد توصلت لبعض الحقائق التي ربما سبقني لها (البعض) فقط، فحين يهتم السياسي بالكم أكثر من النوع فإن وصف سياسي يصبح غير دقيق لعدة أسباب، ووصف فاشنست سياسة هو الأقرب للدقة لعدة أسباب أيضاً، ولأن العمل السياسي نخبوي، فإن اهتمام النائب أو الناشط بعدد المتابعين أو عدد الرتويتات للتغريدة الواحدة يخرجه من هذه النخبوية، فالعمل السياسي يتم تقييمه نوعاً لا كماً، ولذا لا يمكننا تصديق أن عدد (الفولورز) الحقيقيين لبعض السياسيين يفوق النصف مليون أو المليون ونحن نعتقد أن عدد كل النخب والمهتمين بالسياسة ومتابعيها، المغردون منهم وغير المغردين، لا يتجاوز عشرة آلاف أو عشرين ألفاً على الأكثر.
ولو حاولنا الاطلاع على أسماء المتابعين لبعض مشاهير السياسة، لوجدنا معظمهم من اسم واحد غالباً ومن قبيل محمد وأحمد وحمدي ومصطفى وبقية الأسماء الرجالية والنسائية المفردة، ولأن هذه الأسماء وهمية وسوق الفلورز أصبح (الألف بعشرة دنانير) فإن العملية بهذه الصورة كافية ووافية لتكوين الكم المطلوب الذي يبحث هؤلاء السياسيون عنه وبأقل تكلفة مالية.وأذكر أني تابعت ذات مرة قائمة من أعادوا تغريدة أحد (السياسيين الكبار) وقد تجاوز عددهم الألف فوجدت معظمهم أسماء مفردة من قبيل حمدي ومصطفى والبقية، وتابعت مرة أخرى (المداحين) لمرشح في الانتخابات الماضية فوجدت الأسماء نفسها تتكرر مع كل تغريدة وليس في حساباتها إلا بضع تغريدات كلها للممدوح أو لمادحيه، وتابعت مرة ثالثة بعض حسابات (المرتوتين) لسياسي معروف فوجدتها لا تغرد إنما تعيد تغريداته وتغريدات غيره، بالموضوع ونقيضه والموقف وعكسه مما يدل على تعدد (الشراية) وتنوع توجهاتهم.الخلاصة أن «تويتر» أصبح (الهبة السياسية) اليوم، فهذا يشتري متابعين أو مرتوتين، وذاك يوظف من يدير مجموعة حسابات تعمل في خدمته، وثالث دخل ضمن شبكة مغردين يتعاونون لمصالح متبادلة، لكن الغريب في الأمر أن تجد مرشحاً يتابعه في «تويتر» ربع مليون، وبالكاد ينجح في الانتخابات بألفي صوت أو لا ينجح، ولو اقتنع به 5% من متابعيه فقط لنجح بعشرة آلاف صوت، وهو ما يجعلنا نضع متابعي بعض السياسيين في «تويتر» بين قوسين، ونطلق سؤالاً كبيراً «من أين لك كل هؤلاء؟».