بعد استخدامه سلطات الطوارئ يوم الأحد لعزل خصومه السياسيين وبسط سيطرته على الحكومة ومفاصل الدولة، فتح الرئيس التونسي قيس سعيد ملف الاقتصاد الصعب والفساد المستشري، وحدد قائمة تضم 460 شخصية نهبت من أموال الشعب 13.5 مليار دينار تونسي، نحو 5 مليارات دولار، وخيّر المتهمين بين رد الأموال والاستثمار أو الملاحقة ودخول السجن.وعرض سعيد الذي يبحث عن رئيس حكومة اقتصادي لتسليمه السلطة، خلال لقاء أمس الأول مع رئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول، تسوية قانونية مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد في حال تمت إعادة الأموال مقابل تعهدهم بإطلاق مشاريع للتنمية والتشغيل في جميع أنحاء تونس، قائلاً: «هذه الأموال المتخلدة بذمة هؤلاء يجب أن تعود إلى الشعب، وسيتم إصدار نص حول إبرام صلح جزائي مع هؤلاء المتورطين في نهب المال العام».
وأشار سعيد، الذي يتوقع أن يعين رئيساً للوزراء وأعضاء للحكومة، إلى أن القائمة أصدرتها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد والمبلغ المطلوب من هذه الشخصيات قدمه أحد رؤساء الحكومة السابقين، مضيفاً: «كنت دعوت إلى صلح جزائي، ليست هناك أي نية على الإطلاق للتنكيل بأي كان، والمس برجال الأعمال وخاصة أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، الأفضل أن يجنحوا للصلح عوضاً عن الملاحقة الجزائية والسجون».وأوضح سعيد، الذي برر إجراءات إقالة رئيس الوزراء وتجميد عمل البرلمان وتولي مهام النيابة العامة بمحاولة إنقاذ تونس من الفساد ومؤامرات إثارة الفتنة الأهلية، أنه سيتم «ترتيب هؤلاء الأشخاص ترتيباً تنازلياً من الأكثر تورطاً إلى الأقل، بعد أن يتعهد كل واحد في هذا الصلح الجزائي بالقيام بمشاريع في معتمديات بتونس. والأكثر تورطاً سيقوم بمشاريع في المعتمدية الأكثر فقراً»، مبيناً أن «هذه المشاريع ليست استثماراً وهي أموال الشعب، ويجب أن تعود إليه».
حصانة مشبوهة
وكشف سعيّد عن عرض مشروع هذه المصالحة على البرلمان السابق وتم تعطيلها، متهماً بعض النواب «باستغلال الحصانة للمشاركة في صفقات مشبوهة لتعطيل إنتاج الفوسفات محلياً واستيراده بعد أن كانت تونس تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاجه».وشدد على أن «تونس دولة لا تتسول ولكنها تتعرض لضغوطات مالية نتيجة لجملة من الاختيارات الاقتصادية منها عدم دفع الضرائب والضمان الاجتماعي، فضلاً على قروض تحصل من البنوك ولا يتم دفعها ويجب أن تعود إلى الشعب لأنها أمواله».وطلب من التجار «التحلي بروح وطنية وتخفيض الأسعار وليس الربح واستغلال هذه الظروف الصعبة»، مهدداً بأن «أي محاولة لتخزين السلع للمضاربة أو الاحتكار ستواجه بتطبيق كامل وصارم للقانون».وغداة فتح القضاء تحقيقاً باتهام حزبي حركة «النهضة» الإسلامي و«قلب تونس» الليبرالي بتلقي أموال من الخارج، أصدر الاتحاد العام التونسي بلاغاً لكافة الهياكل النقابية في جميع الجهات والقطاعات والمؤسّسات، دعا فيه إلى اليقظة وإلى مزيد من البذل والعمل والحرص على تأمين سلامة المؤسّسات ومنع أيّ تلاعب بأرشيفها ووثائقها وممتلكاتها، «نظراً للظرف الاستثنائي وحرصاً على المساهمة في إنقاذها وقطعاً للطريق أمام من يبيّت لتونس شرّاً».في الأثناء، نفى البنك المركزي ما تداولته أمس بعض الصحف والمواقع الإلكترونية حول تسجيل ارتفاع مريب في عمليات السحب من البنوك تزامناً مع الأزمة السياسية، موضحاً أن التداول ارتفع بشكل طفيف مقارنة باليوم السابق مما يعكس عدم تأثر حجم الأوراق النقدية المتداولة بالخطاب السياسي.إقالة وتعيين
وفي وقت سابق، أعفى سعيد، الذي اتخذ التدابير الاستثنائية بدعم من الجيش، رئيس التلفزيون الوطني محمد لسعد الداهش وعين عواطف الدالي بديلاً مؤقتاً له وذلك بعيد ساعات على إعلان نائبة رئيس نقابة الصحافيين أميرة محمد منع أحد الحرّاس لها من دخول المبنى للمشاركة في برنامج حواري بانتظار أن تأذن له الإدارة بذلك.ونفت وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية قول نائب رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي إنّ المدير التنفيذي للوطنية أبلغه بأنّه تلقّى تعليمات من مسؤول عسكري بعدم السماح للضيوف بدخول مقرّ التلفزيون.صحياً، شدد سعيّد بعض القيود القائمة أصلاً لمكافحة فيروس كورونا، منها حظر تجول ليلي وحظر التنقلات بين المدن، وأصدر ليل الأربعاء- الخميس أمراً رئاسياً يقضي بتشكيل غرفة عمليات لإدارة الجائحة، يتولى تنسيق مهامها أحد الكوادر رفيعة المستوى بوزارة الداخلية، على أن تكون تحت قيادة المدير العام للصحة العسكرية وتضم ممثلين عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والصحة والنقل والشؤون المحلية والبيئة ويمكنها أيضا الاستعانة بكل شخص تكون مساهمته مفيدة.دعم خليجي
دولياً، أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، في اتصال مع الرئيس التونسي أمس الأول، ضرورة تجاوز الأزمة السياسية الراهنة، وأهمية أن تنتهج أطرافها طريق الحوار لتجاوزها وتثبيت دعائم دولة المؤسسات وتكريس حكم القانون من أجل مصلحة الشعب والحفاظ على استقراره.من جهتها، اعتبرت وزارة الخارجية السورية أن ما حصل في تونس في «إطار الدستور الذي صوّت عليه الشعب التونسي»، مشددة «على أحقية الدولة الشرعية والشعب في تقرير مصير تونس، وأنهم قادرون على الانطلاق إلى مستقبل يقررونه بأنفسهم».ووصفت الخارجية الموقف التركي من أزمة تونس، واتهام رئاستها بتعليق العملية الديموقراطية بأنها داعمة لنهج «الإخوان المسلمين»، في إشارة إلى حركة النهضة، التي اعتبرت قرارات سعيّد «محاولة انقلاب على السلطة»، مؤكدة أن تركيا «تسعى لتدمير الدول وتفتيت وحدتها الوطنية، وفرض أجنداتها الشاذة وسياساتها البائدة على الدول والشعوب الأخرى».