عاد الحديث عالمياً بصورة متجدّدة، عن فرض إجراءات وقيود جديدة مرتقبة، بسبب التفشي الملاحظ للسلالات الفيروسية الجديدة لـ"كورونا"، مولّدة حالة من الإحباط والغضب المجتمعي، نظراً إلى اعتقاد الكثيرين بأن الجائحة العالمية في طريقها إلى الانحسار وليس إعادة "التموضع والتفشي بشكل جديد".وأرغم التفشي المتسارع للنسخة المتحورة "دلتا" التي ظهرت للمرة الأولى في الهند، كثيراً من الدول على إعادة تشديد القيود الصحية.
أميركا
وفي أميركا، رجّح الرئيس جو بايدن أن تُصدر قريباً في الولايات المتّحدة توصيات أو تفرض قيوداً صحيّة جديدة لمواجهة "كورونا"، مرحّباً في الوقت نفسه بعودة عجلة التطعيمات إلى الدوران بسرعة في البلاد.وردّاً على سؤال عمّا إذا كان ينبغي على الأميركيين توقّع صدور توصيات إضافية من السلطات الصحية أو إجراءات ملزمة جديدة، قال بايدن للصحافيين "على الأرجح".لكن الرئيس الأميركي لم يذكر نوع الإجراءات التي كان يتحدّث عنها، في وقت بدأت السلطات الفدرالية، وكذلك مسؤولون محليون وشركات، بتشديد البروتوكولات الصحية.ورغم ذلك، قال بايدن إنّ الولايات المتّحدة شهدت أمس الأول "يوماً جيداً" لناحية التطعيم، إذ جرى إعطاء نحو مليون حقنة، في وقت تعمل إدارته على تسريع عجلة التلقيح التي شهدت تراجعاً بطيئاً.وفي مواجهة سلالة "دلتا" السريعة الانتشار، أوصت السلطات الأميركية مواطنيها الموجودين في أماكن ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير، بأن يضعوا كمامات في الأماكن الداخلية حتّى لو كانوا ملقّحين بالكامل.«دلتا» تغيّرت الحرب»
وكشفت مذكرة رسمية أميركية أن سلالة "دلتا" معدية بالدرجة نفسها لجدري الماء، وآثارها أخطر على الأرجح من الفيروس السابق بينما يبدو الأشخاص الذين يصابون بها ينقلونها سواء كانوا أو لم يكونوا تلقوا لقاحاً.ووردت هذه الملاحظات التي تستند إلى دراسات علمية، في مذكرة داخلية يجري تداولها حالياً داخل "مراكز الوقاية من الأمراض ومكافحتها" الوكالة الصحية الرئيسية في الولايات المتحدة.وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" هذه الوثائق، وقد أرفقتها بتحذير لمسؤولين حكوميين مفاده أن "الحرب تغيّرت".واستندت مديرة "مراكز الوقاية من الأمراض" روشيل ولنكسي إلى البيانات الواردة في المذكرة لتكرار التوصية قبل يومين بوضع كمامات في الأماكن الداخلية، للأشخاص الملقحين في المناطق عالية الخطورة.وتعتمد المذكرة خصوصاً على تحليل تم إجراؤه في بروفينستاون بولاية ماساتشوستس حيث رصدت نحو 900 إصابة بعد احتفالات العيد الوطني في 4 يوليو، رغم أن ثلاثة أرباع المشاركين في الحدث كانوا مطعمين.مع ذلك "لم يكن هناك فرق" في قوة الفيروس بين الذين تم تطعيمهم وغير الملقحين، حسب النص نفسه، ما يشير إلى درجة عدوى واحدة أياً كان وضع التطعيم.وتشير وثائق وكالة الصحة الأميركية إلى أنه ليس من النادر أن يصاب أشخاص تلقوا تطعيماً ضد الفيروس كما كان يعتقد سابقاً، إذ سجلت "35 ألف إصابة أسبوعياً رافقتها عوارض من بين 162 مليون أميركي تم تطعيمهم".وبناء على دراسات دولية، كان مركز الوقاية من الأمراض رأى أولاً أن "كورونا" معد مثل الإنفلونزا لكنه أصبح مشابهاً لمرض جدري الماء، شخص مصاب بسلالة دلتا ينقلها إلى 8 آخرين في المتوسط، ولا يزال أقل من الحصبة.وتشير بيانات من كندا وسنغافورة واسكتلندا إلى أنه قد يكون أخطر ويسبب مزيداً من الإصابات التي تتطلب علاجاً في المستشفى أو تؤدي إلى الوفاة.الصين
وفي أخطر تفشٍّ للفيروس يشهده العملاق الآسيوي منذ أشهر، أعلنت السلطات الصينية أمس، أنّها رصدت بؤراً وبائية جديدة في منطقتين إضافيتين، إحداهما تضمّ مدينة يبلغ عدد سكّانها 31 مليون نسمة.وقالت لجنة الصحّة الوطنية إنّ الإصابات الجديدة رُصدت في مقاطعة فوجيان وبلدية تشونغتشينغ، لتضاف هاتان المنطقتان إلى العاصمة بكين و4 مقاطعات أخرى سبق أن أبلغ فيها عن تسجيل إصابات بـ"دلتا".وأمرت السلطات في نانجينغ، أمس، جميع المعالم السياحية والأماكن الثقافية بعدم فتح أبوابها بسبب ارتفاع معدّل العدوى على المستوى الوطني.وفرضت السلطات حجراً صحياً على مئات آلاف السكان في مقاطعة جيانغسو، وعاصمتها نانجينغ، في حين أخضعت المدينة سكّانها البالغ عددهم 9.2 مليون نسمة للفحص مرتين.وفي تشانغجياجيه، المدينة السياحية الواقعة في مقاطعة هونان، حيث تبيّن أن بضعة مصابين حضروا عرضاً مسرحياً، فرضت السلطات حجراً صحياً على جميع سكان المدينة البالغ عددهم 1.5 ملايين نسمة وأغلقت جميع معالمها السياحية.وفي منطقة تشانغ بينغ الواقعة في ضاحية العاصمة حيث تم اكتشفت إصابتان، فرضت السلطات حجراً صحياً على 41 ألف شخص.«جرعات تنشيطية»
وتدرس الصين ما إذا كان من الضروري إعطاء "جرعات تنشيطية" للفئات الضعيفة، مثل المسنين، الذين يعانون من "أمراض كامنة" وأولئك الذين يعملون في مناطق عالية المخاطر.وقال وانغ هواتشينغ، أحد الخبراء في المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، أمس، أن الفيروس، الذي يتم انتقاله حاليا هو بالأساس دلتا، لكن لا تزال إجراءات مكافحة الفيروس في الصين فعالة ضده.الصحة العالمية
من ناحيتها، ذكرت منظمة الصحة العالمية بأن سلالة "دلتا" وانتشارها السريع يشكّلان تحذيراً قبل ظهور سلالات أخطر.وقال المسؤول عن حالات الطوارئ لدى المنظمة الأممية، مايك راين خلال مؤتمر صحافي في جنيف، إن "دلتا هي بمثابة تحذير يخبرنا أن الفيروس يتطور، لكنها أيضاً بمثابة نداء للتحرك، للقيام بشيء ما قبل ظهور أشكال أكثر خطورة من المتحورات".الحوامل في بريطانيا
وفي أوروبا، حيث تواجه دول عدة موجة رابعة من الوباء، حضّت سلطات الصحة في بريطانيا الحوامل على تلقي اللقاح المضاد لـ"كورونا"، بعد أن أظهرت دراسة وطنية أن "دلتا" تضاعف على ما يبدو مخاطر إصابتهن بعوارض شديدة.وحضت مسؤولة قابلات التوليد في إنكلترا الحوامل على تلقي اللقاح عقب صدور بيانات جديدة أظهرت زيادة العوارض المرضية الشديدة بين الحوامل اللواتي أدخلن المستشفى لإصابتهن بعوارض الفيروس.ووجهت الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد والكلية الملكية للقابلات، توصيات مماثلة لتلقيح الحوامل.فرنسا
وللأسبوع الثالث على التوالي،شهدت فرنسا، أمس تظاهرات واسعة النطاق ضد توسيع فرض الشهادة الصحية والتطعيم الإجباري لتشمل بعض المهن. وتظاهر أكثر من 160 ألف شخص السبت الماضي ضد التطعيم الإلزامي للعاملين في قطاع الصحة وتمديد ما يطلق عليه جواز المرور الصحي الذي يظهر أن حامليه خضعوا لاختبار "كورونا" جاءت نتيجته سلبية أو تعافوا من الفيروس أو هم ملقحون بالكامل.وبينما تظاهر مئات الماليزيين ضد حكومتهم أمس، رغم حظر التجمعات العامة بسبب التدابير الصحية، مطالبين باستقالة رئيس الوزراء الذي ضعف سياساً، انضمت بريزبن إلى سيدني، أكبر المدن الأسترالية، في الإغلاق بعد اكتشاف 6 إصابات جديدة بـ"دلتا" في المدينة وهي عاصمة ولاية كوينزلاند.