أفغانستان... اختبار صعب للقوة العسكرية الصينية!
بسبب الغطرسة أو السذاجة، يبدو أن حكّام العالم لا يتعلمون بعض الدروس المهمة إلا في حالات نادرة، يتعلق أحدها باستحالة السيطرة على بعض زوايا العالم، وينطبق هذا الوصف على أفغانستان، ففي حين يتجه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إنهاء 20 سنة من حملة بناء أفغانستان، تنضم الولايات المتحدة إلى مجموعة من الغزاة وصانعي السلام الذين عرفهم العالم منذ قرون. يسهل أن تنزف القلوب أمام مشهد الأفغان الطامحين إلى الحداثة والمتروكين وحدهم اليوم، لا سيما النساء وكل من ساعد قوات الاحتلال الأميركي. في غضون ذلك، تنشر حركة «طالبان» الفوضى، وتقدم ملاجئ آمنة للمتطرفين الإسلاميين، وتستغل التنوع القبلي الذي جعل أفغانستان غير قابلة للحُكم طوال ألف سنة.إذا كانت المقاربة العدائية حتمية في هذه الظروف، فقد يظن الكثيرون أن استراتيجية «الحزام والطريق» الصينية هي مجرّد محاولة خفية لاكتساب قوة «ناعمة» وفرض السيطرة.اليوم، يُعتبر الانسحاب الأميركي من أفغانستان اختباراً شائكاً لجميع الأطراف: هل ستنجرّ الصين إلى هذه المعمعة؟ وهل يمكن اعتبار مؤيدي استعمال القوة محقين حين يقولون إن الصين قوة عدائية تحمل أجندة هجومية؟ أم أنها قوة دفاعية تحاول حماية المكاسب الاقتصادية التي أنقذت 800 مليون صيني من الفقر وجدّدت مكانة الصين المرموقة على الساحة العالمية؟
تعهدت الصين بدعم دور «طالبان» في تجديد السلام في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، وذكرت وزارة الدفاع الأميركية أمام الكونغرس أن الحزب الشيوعي الصيني يعمل على إنشاء دولة استراتيجية قد تؤثر بشدة على المصالح الوطنية الأميركية وأمن النظام الدولي المبني على قواعد واضحة.لكن الولايات المتحدة انطلقت من الفرضية المرتبطة بأجندة الصين الهجومية واختارت البيانات التي تدعم تلك الفكرة، وهذا ما يفسّر إعاقة تطور الصين التكنولوجي، ومنع الاستثمار أو التعامل مع شركاتها، أو حتى فك الارتباط بها.لكن يُفترض أن يراجع المحللون نوايا الصين انطلاقاً من قواعد البيانات نفسها وبناءً على منظور مختلف، وزاد الإنفاق الدفاعي الصيني فعلاً لكنه يبقى بسيطاً (1.9% من الناتج المحلي الإجمالي) مقارنةً بالإنفاق الأميركي الذي بلغ 778 مليار دولار في السنة الماضية، أي ما يساوي 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي و39% من الإنفاق العسكري العالمي. خاضت الصين حرباً واحدة في آخر خمسين سنة حين شاركت في الغزو القصير والمحرج لفيتنام في عام 1979، وفي المقابل، شاركت الولايات المتحدة في 14 حرباً منذ عام 1980.يبدو أن الخبراء العسكريين الأميركيين لا يخشون فعلياً طبيعة نشاطات الصين العدائية، بل قدراتها الهجومية، ووفق فرضية شائعة، لن يتمكن البلد الذي يتمتع بهذه القدرات كلها من مقاومة ميله إلى استعمالها بطريقة عدائية، لكن عند تغيير هذا المنطق والاقتناع بأن التحركات الدفاعية هي التي حققت الحداثة العسكرية الصينية، فلا مفر من أن تنهار الفرضية القائلة إن الصين تتجه إلى توسيع هيمنتها.تملك الصين مركزاً صغيراً لها في طاجيكستان بالقرب من أفغانستان، لكن إذا كانت نواياها دفاعية، فلن يحصل أي تدخّل صيني في أفغانستان في أي وقت قريب، وقد تميل بكين إلى التدخّل في أفغانستان خدمةً لمصالحها في باكستان وباعتبارها حليفة أساسية لها إذا أمعنت حركة «طالبان» في زعزعة استقرار المنطقة وأضعفت الآمال بالوصول إلى المحيط الهندي والخليج عبر ميناء «جوادر» الباكستاني.طوال قرون، أدى هذا النوع من الإغراءات وجاذبية الواقعية الهجومية المزعومة إلى جرّ القوى العظمى إلى فوضى مهينة في أماكن مثل أفغانستان، فهل ستُحدِث «الواقعية الدفاعية» الصينية فرقاً حقيقياً هذه المرة؟* ديفيد دودويل