قرر الرئيس الأميركي جو بايدن أن الوقت قد حان أخيرا لمغادرة القوات الأميركية أفغانستان، وهي الدولة الأولى التي ترسل إليها الولايات المتحدة قواتها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وحدد بايدن موعدا مناسبا للانسحاب- الذكرى العشرون لتلك الهجمات- لكن القوات الأميركية المتبقية غادرت البلاد في وقت أقرب من ذلك بكثير، ولم يتبق سوى 600 جندي في مطلع يوليو، إلى جانب قوات منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأخرى وآلاف المتعاقدين الخاصين.قوبل جدول بايدن الزمني بتشجيع أولئك الذين يتوقون إلى إنهاء "الحروب الأبدية"، لكنه أيضا أثار انتقادات من جانب المراقبين الذين يتوقعون انهيار الحكومة الأفغانية، واستيلاء طالبان على السلطة، وتجدد نشاط تنظيم القاعدة، وبالفعل أخذت معدلات العنف في الارتفاع، وبات التقدم في مجالات مثل حقوق المرأة، والنظافة، والصحة العامة معرضا لخطر التراجع إلى الوراء، لكن ثمة طرق للتخفيف من حدة مثل هذه المخاطر لا علاقة لها بالمؤسسة العسكرية.
يبدو أن البعد العسكري لسياسة أميركا تجاه أفغانستان، في وضعه الحالي، هو ما يحظى بكل الاهتمام، حيث حذر الجنرال ديفيد بتريوس، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، قائلا "إن إنهاء تورط الولايات المتحدة في حرب أبدية لا يُنهي هذه الحرب، فهو يُنهي مشاركتنا فيها فقط، وأخشى أن تزداد هذه الحرب سوءا"، وأشار بتريوس أيضا إلى أن الولايات المتحدة ستفقد منصة مهمة لدعم حملات مكافحة الإرهاب الإقليمية، وخلص إلى أن أميركا ستندم على قرار الانسحاب.يتشارك مسؤولو إدارة بايدن بعض هذه المخاوف، حيث سلط مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز الضوء على التحديات التي يفرضها تضاؤل قدرة أميركا على جمع المعلومات الاستخباراتية في البلاد، وكما وضح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بلا مواربة، ففي نهاية المطاف، "لا تستطيع إدارة بايدن أن تُقدم أي ضمانات بشأن ما سيحدث داخل البلاد، ولا أحد يستطيع".لكن، كما استطرد سوليفان، تستطيع إدارة بايدن أن تُحسن فرص أفغانستان في تحدي نبوءات الهلاك من خلال توفير الموارد والتدريبات لقوات الأمن في البلاد. علاوة على ذلك، وكما أكد وزير الدفاع لويد أوستن في خطابه إلى الناتو، فستواصل الولايات المتحدة "تمويل القدرات الأفغانية الرئيسة"، ففي هذا الصدد، يقول مسؤولون إن طائرات بدون طيار، وصواريخ كروز، وبرامج تجسس ستكون متاحة لجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ الهجمات القاتلة. كما وعد سوليفان بأن الولايات المتحدة ستبقى يقظة، وإن كان ذلك عن بُعد.لكن تكتيكات القوة الخشنة وحدها لن تؤدي إلى استقرار أفغانستان، ناهيك عن وضعها على طريق السلام والازدهار في الأمد البعيد، لذلك، تظل حلول القوة الناعمة ضرورية أيضا.حتى مع مغادرة قوات أميركا والناتو، تحافظ الأمم المتحدة على وجودها في أفغانستان لتقديم المساعدة إلى جانب أكثر من 160 وكالة مساعدة إنسانية، بحسب التقارير، وفي الأسبوع الماضي، تعهدت وزارة الخارجية الأميركية بتقديم 266 مليون دولار من المساعدات الجديدة لمساعدة شركائها في ميدان المساعدات الإنسانية في البلاد على تقديم الدعم للمحتاجين، بما في ذلك الملايين من النازحين داخليا.في الواقع، قدم بعض الخبراء مقترحات واعدة للاستفادة من مثل هذه المساعدات لتحسين آفاق أفغانستان، حيث يقترح روبرت غيتس، وهو مدير سابق آخر لوكالة المخابرات المركزية وشغل أيضا منصب وزير دفاع الولايات المتحدة، إنشاء صندوق تنمية أفغاني دولي بتمويلات مشروطة بإصلاحات سياسية واقتصادية، أو اتفاقية سلام تشمل "ضمان الحقوق الأساسية للمرأة ونبذ الإرهابيين".على غرار ذلك، يحتج كل من آشلي جاكسون ورحمة الله أميري بأنه يمكن الاستفادة من المساعدات الدولية لضمان احتفاظ النساء والفتيات بالحقوق التي اكتسبنها خلال العقدين الماضيين، حتى لو عادت حركة طالبان "الرجعية" إلى السلطة، كما يُشيران إلى أنه في نهاية المطاف، تعتمد الحكومة الأفغانية الحالية على المساعدات الدولية بنسبة 75% من ميزانيتها.يؤكد جاكسون وأميري على دور التعليم ولسبب وجيه، ومع وجود أكثر من 70% من السكان الأفغان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، فإن تعليم شباب اليوم يعني خلق جيل من العمال المهرة، والقادة المحتملين المؤثرين، والمواطنين الملتزمين، والحق أن هذه طريقة مضمونة لتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية المستدامة.على مدى السنوات العشرين الماضية، أُحرز تقدم كبير على صعيد التعليم، فبعد عام 2001، ازدادت إمكانية الحصول على التعليم بين الأولاد والبنات إلى عشرة أضعاف، كما تشير تقارير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، نقلا عن وزارة التعليم العالي الأفغانية، إلى "نمو التحاق الطلاب بالتعليم من 900000 طالب في عام 2001 إلى أكثر من 9.5 ملايين طالب وطالبة، 39% منهم من الفتيات، في عام 2020".تحقق الكثير من هذا التقدم بفضل دعم مانحين أجانب، وبهذا الدعم، ساهمت المنظمات غير الحكومية العاملة مع اليونيسف في تعزيز التعليم الابتدائي. حيث طورت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية برامج تُشرك الجامعات والمدارس الأميركية في دعم تطوير المؤسسات التعليمية الأفغانية، كما ساعدت برامج الدراسات العليا المدعومة من المانحين، وبرامج التدريب على التدريس، واعتماد الشهادات، والتوجيهات المُقدمة بشأن المعايير التعليمية على إضفاء الطابع المهني على التدريس وتنشيط مجال البحث.على الرغم من ذلك، تظل مهمة تقديم تعليم شامل ومناسب في أفغانستان بمثابة معركة شاقة، فبحسب اليونيسف يوجد ما يُقدر بنحو 3.7 ملايين طفل أفغاني غير ملتحقين بالمدارس، أكثر من نصفهم من الفتيات، علاوة على ذلك تسببت جائحة كوفيد19، وتصاعد أعمال العنف مؤخرا في خلق رياح معاكسة إضافية. ونظرا لأن انسحاب الولايات المتحدة وقوات الناتو يزيد من خطر اندلاع مزيد من موجات العنف، بات الحفاظ على الدعم التعليمي - وتوسيع نطاقه - هدفا ضروريا.في ضوء الاعتبارات الأمنية والصحية، ستكون الشراكات عن بُعد ذات أهمية محورية لدفع هذا الجهد. ولحسن الحظ، يمكن لمثل هذه الترتيبات أن تعتمد على التطور السريع لمنصات التعلم الافتراضية ومنهجيات التدريس، فضلا عن توسيع نطاق الوصول إلى أجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية، الأمر الذي حفزته الجائحة.من المؤكد أنه في حين يُعد التعليم شرطا ضروريا لتحقيق الاستقرار والازدهار في أفغانستان، إلا أنه ليس كافيا لضمان هذه النتيجة. لكن، كما ذكرت سامانثا باور، رئيسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في مذكراتها، فمن شأن التعليم أن يُحول الطموحات المستحيلة إلى أهداف قابلة للتحقيق، وبفضل جهود السنوات العشرين الأخيرة، حدث هذا بالفعل للعديد من الفتيات والنساء في أفغانستان. في نهاية المطاف، لا تقع مهمة ضمان استمرار هذا التقدم على عاتق القوات الدولية، لكن الأمر متروك للمجتمع الدولي.* كارين غرينبرغ مديرة مركز الأمن القومي في كلية الحقوق بجامعة فوردهام. «بروجيكت سنديكيت، 2021» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
التعليم وأمن أفغانستان
05-08-2021