استعاد لبنان وعاصمته بيروت بغضب وحزن شديدين، أمس، ذكرى مرور عام على انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة 214 شخصاً ودمر أحياء في المدينة وضاعف انهياراً اقتصادياً ينهش البلاد، في وقت طالب اللبنانيون بالعدالة، منتقدين انعدام محاسبة المسؤولين عن الكارثة.وعقدت الدول المانحة عبر تقنية الفيديو بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة وحضور رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد، المؤتمر الدولي الثالث لدعم شعب لبنان، الذي تأمل أن تجمع من خلاله 350 مليون دولار.
وفي 4 أغسطس 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق انفجار هائل نتج عن كميات ضخمة من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ 2014، وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، وألحق دماراً ضخماً في المرفأ وأحياء في محيطه وشملت أضراره معظم المدينة وضواحيها، وأسفر عن مقتل 214 شخصاً بينهم موظفون في المرفأ وإهراءات القمح وعناصر فوج إطفاء كانوا يحاولون إخماد الحريق، كما قضى أشخاص في منازلهم جراء الزجاج المتساقط، وآخرون في سياراتهم أو في الطرق والمقاهي والمحلات.وأعلنت السلطات، أمس، «يوم حداد» مع إقفال جميع الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة، ودعا أهالي الضحايا وأحزاب معارضة ومجموعات ناشطة أسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة، إلى مسيرات، تحت شعار «العدالة الآن»، من دون مشاركة رسمية أو لأي مسؤول في أي من التحركات التي انطلقت من مختلف المناطق باتجاه المرفأ ووسط بيروت وتوجّهت بعدها إلى أمام مقر الحكومة وأمام مقر البرلمان. ونزل عشرات الآلاف الى الشوارع مطالبين بالعدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين ورافعين شعارات معارضة للطبقة السياسية.وجرى تنظيم وقفات تضامن وإضاءة شموع في معظم المناطق، كما تجمّع عدد من المشاركين امام فوج الإطفاء عند مدخل بيروت الشمالي ثم انطلقوا نحو المرفأ وشاركوا في صلاة أقامها البطريرك الماروني بشارة الراعي في التوقيت الذي حدث فيه الانفجار عند السادسة و10 دقائق ثم تمّت إضاءة الشموع امام «شعلة الثورة» وتليت أسماء الضحايا.وبينما سُمِع صوت إطلاق رصاص في بيروت، أوقفت وحدات من الجيش اللبناني عدداً من الشباب وبحوزتهم أسلحة وذخائر وأقنعة مقاومة للغاز المسيل للدموع.وشهد الشارع غلياناً متوقّعاً، بعد اشكال كبير أسفر عن سقوط عشرات الجرحى بين أنصار من «حزب القوات اللبنانية» وأنصار الحزب «الشيوعي» في منطقة الجميزة بالأشرفية في شرق بيروت، مما أجبر قوى الأمن على اطلاق النار في الهواء لفض الإشكال. كما رشق بعض المتظاهرين بالحجارة محيط مجلس النواب، حيث دارت أعنف المواجهات مع قوى الأمن التي ردت بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع.
صباح الخالد
إلى ذلك، قال الخالد، خلال المؤتمر الذي عقد عبر تقنية الاتصال المرئي، إن «لبنان يمر بمنعطف سياسي وأمني واقتصادي فريد يتطلب من الجميع وقفة جادة لدعمه»، مؤكداً أن الكويت كانت ومازالت تدعم كل الجهود الرامية لاستقراره وازدهاره من خلال تشجيع الحوارات المشتركة بين مختلف الأطراف اللبنانية باعتبارها أفضل السبل للوصول لحلول توافقية تضمن حقوق الجميع في ظل سيادة القانون وصولاً لتشكيل حكومة فاعلة ذات مهمة واضحة تأخذ بالتوازنات الداخلية الدقيقة كمطلب دستوري وقانوني رئيسي أو المبادرات الدولية لارتباطاتها وثيقة الصلة بالشق التمويلي اللازم لاحتواء سريعٍ لتداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة بتشعباتها غير مأمونة الجوانب المعيشية والاجتماعية والأمنية والسياسية».وشدد الخالد على أن «لبنان أمام مفترق طرق ولابد من التكاتف والتآزر لدعمه بما يحقق أمنه واستقراره وطموح شعبه وذلك لن يتحقق ما لم يوحد الأشقاء صفوفهم ويدركوا خطورة المرحلة وحتمية العمل الجماعي، إذ لن يتمكن المجتمع الدولي من تقديم المساعدات أو دعم برامج تنموية ولن تتحقق الفائدة المرجوة منها دون ذلك التكاتف والتآزر والنأي بوطنهم عن الفرقة والشقاق».وأضاف أن «حادثة مرفأ بيروت آلمت الجميع وظلت مشاهدها المؤلمة حاضرة في الذاكرة، وما زال لبنان يعاني تبعاتها، ونؤكد وقوفنا معه وعزمنا على تمكينه من النهوض مجدداً ومساعدته»، لافتاً إلى أن الكويت سارعت لدعم الأشقاء لمواجهة آثاره بإعادة تخصيص مبالغ سابقة بقيمة 30 مليون دولار لإعادة إعمار صوامع الغلال وتسيير جسر جوي للمساعدات الإغاثية الغذائية والدوائية والمعيشية عبر 18 رحلة جوية وبوزن إجمالي بلغ 830 طناً».وتابع: «لقد ساهمنا في تنمية لبنان منذ عقود عبر مشاريع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية وشملت قطاعات الصحة والتعليم والمواصلات والمياه والصرف الصحي وغيرها كما قدمت منحاً لتمويل دراسات الجدوى لمشاريع إنمائية مختلفة إضافة إلى جهود إعادة الإعمار ودعم استضافة اللاجئين السوريين، كما تسعى الكويت إلى استكمال البرنامج الإقراضي الذي سبق الالتزام به خلال مؤتمر الأرز في باريس لدعم القطاعات التنموية كما ساهمت في تعزيز المنظومة الصحية للبنان لتمكينه من مواجهة وباء كورونا».ماكرون وبايدن
بدوره، ندد ماكرون مجدداً بقادة لبنان ووعد بـ100 مليون يورو إضافية «في دعم مباشر للشعب» في الأشهر الـ12 المقبلة مع إرسال نصف مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» خلال أسابيع.وأكد ماكرون، الذي ترأس مع الأمم المتحدة هذا المؤتمر، الذي شارك فيه ممثلون عن نحو 40 دولة ومنظمة دولية، أن «المسؤولين اللبنانيين يراهنون على اهتراء الوضع مع تعطيلهم تشكيل حكومة واعتماد إصلاحات وذلك خطأ تاريخي وأخلاقي»، مبيناً أن «الأزمة لم تكن حتمية بل أتت نتيجة إفلاس شخصي وجماعي واختلالات غير مبررة والطبقة السياسية مجتمعة استمرت في تعميقها بإعطاء الأولوية لمصالحها الشخصية وأنصارها على حساب الشعب».وأضاف أن «لبنان يستحق ألا يستمر في العيش معتمدا إلى ما لا نهاية على التضامن الدولي، ويتعين على قادته الفاسدين ألا يتشككوا في إصرار فرنسا على فرض عقوبات عليهم»، مؤكداً أن «مؤتمر اليوم إنساني لدعم الشعب وغير مشروط لكن لن نعطي شيكا على بياض للنظام السياسي لأنه منذ بداية الأزمة وقبلها حتى كان معتلاً».وإذ طالب ماكرون بإنجاز التحقيق حول انفجار مرفأ بيروت، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمته عن مساعدات إنسانية من الولايات المتحدة بقيمة 100 مليون دولار لدعم لبنان، مؤكداً تضامن الجميع من أجل إنقاذه.تضامن دولي
وفي وقت مد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي «الأيادي للتكاتف وتسخير كل الإمكانات لدعم لبنان للنهوض من الكبوة»، حذر ملك الأردن عبدالله الثاني من أن «الأزمة تتفاقم يوماً بعد يوم ولا يمكن انتظار ورؤية اللبنانيين يقتربون من الهاوية، ويجب تقديم المساعدات الإنسانية والصحية والغذائية، خصوصاً أنهم يستضيفون لاجئين يعيشون بدورهم في ظروف صعبة».وأكد الرئيس ميشال عون أن «لبنان يمر اليوم بأصعب أوقاته وبحاجة إلى مساندة من المجتمع الدولي بعد تحديد الاحتياجات والأولويات»، مشدداً على أن «لا أحد فوق سقف القانون مهما علا شأنه، وليذهب القضاء إلى النهاية في التحقيق والمحاكمات، حتى تبيان الحقائق وتحقيق العدالة المنشودة في انفجار مرفأ بيروت».وفي الفاتيكان، طالب البابا فرنسيس، خلال أول جلسة استقبال عامة له منذ مطلع يوليو، بـ»بمبادرات ملموسة» من أجل لبنان، مناشداً المجتمع الدولي أن يساعده «ليس بالكلام فقط».وفي السياق، دعا السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري إلى إجراء تحقيق دولي شفاف ومستقل في انفجار المرفأ، لافتاً إلى أن «المملكة أكدت أهمية كشف الأسباب التي أدت إليه».