عندما نسمع تعبير «الصراع العربي الإسرائيلي»، نتذكر دور دول المواجهة (مصر وسورية والأردن ولبنان)، وعندما نستذكر حرب الاستنزاف نتذكر مصر وشبه جزيرة سيناء، وسورية وهضبة الجولان المحتلة، أما الدول العربية النفطية فكان دورها تقديم الدعم المالي لدول المواجهة، وطوال سنوات المواجهات العسكرية مع إسرائيل لم تجبر أي دولة عربية بعيدة جغرافياً عن إسرائيل على توقيع معاهدات سلام ثنائية، فما الذي حدث اليوم لهذه الدول البعيدة حتى توقع اتفاقات سلام وتطبيع وتبادل دبلوماسي أو حتى تمثيل تجاري، سوى ضغوط سياسية واقتصادية غربية تمارس وراء الكواليس على دول عربية، لإجبارها على التطبيع؟ وإذا كانت دول عربية لها ثقل اقتصادي وسكاني وجغرافي، قد وقعت فريسة لهذه الضغوط فوقعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، فما الحافز الذي قدم للدول الخليجية حتى ارتضت التطبيع معها؟ فمثلاً زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس كان بدعم غربي أميركي، لمفاوضة الإسرائيليين وإنقاذ الثروة البشرية والاقتصادية المصرية من الاستنزاف في حروب لم ير السادات لها نهاية، ولكي تعترف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية، المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر وافق المغرب على التطبيع مع إسرائيل، ولا نريد أن نذكر كيف وافق السودان على التطبيع مع إسرائيل من أجل إلغاء الحظر الاقتصادي عليه.
منذ أكثر من 40 سنة والدول العربية تتسابق نحو إسرائيل لتوقيع اتفاقيات متنوعة معها، وإذا كان الفلسطينيون أصحاب القضية، قد ارتضوا بتوقيع اتفاقات عدة مع الغاصب المحتل لأرضهم، فما الذي يمنع دولا عربية من ذلك؟ لاحظ أن معظم دول مجلس التعاون الخليجية فتحت أبواب العلاقات الثنائية مع إسرائيل إلا دولة الكويت التي بقيت ملتزمة بتعهداتها العربية والإسلامية، ومنذ عقود تحاول أميركا جرها نحو الفكاك من قيود التزاماتها العربية، كان أحدها قبل الغزو العراقي لبلادنا عندما رشحت سفيرها الأسبق لدى إسرائيل ليكون سفيراً لدى الكويت، وهذا ما رفضته الكويت. قبل بضعة أسابيع حاولت الولايات المتحدة إقناع الكويت بقبول استضافة ما لا يقل عن 50 ألف أفغاني، قيل إنهم عملوا لدى القوات الأميركية في أفغانستان كمترجمين، واليوم وبعد سيطرة حركة طالبان على معظم أجزاء أفغانستان، فإن الأميركيين يرغبون في حماية من تعاون معهم، تماماً كما فعلت مع الفيتناميين عند انسحابها من دولتهم، وإذا كانت هذه مشكلة أميركية يمكن حلها بدمجهم بالمجتمع الأميركي، فلماذا تريد خلق بؤر توتر جديدة بإلقائهم في دولة صغيرة كالكويت؟ ونعرف كإعلاميين أن أي صحافي أفغاني، إذا ما أطلق سراحه من القوات الأميركية بعد الاشتباه بتعاونه مع حركة طالبان، فإنه يتعرض للاغتيال على يد ميليشيات الحركة، والعكس صحيح، فهل يقبل الكويتيون أن تتحول الكويت إلى ساحة حرب بين الميليشيات الأفغانية؟ الأمر الآخر يتعلق بالتصنيف الائتماني وما يعرفه المصرفيون عن أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» تقوم بتقييم خمسة بنوك كويتية فقط، في حين بنوكنا الأخرى تتعامل مع مؤسسات تصنيف أخرى مثل فيتش ريتنغ وكابيتال إنتليجنس وموديز وغيرها، وإذا كانت هذه المؤسسات تسمح لنفسها بتقييم اقتصادات دول لها ثقلها الاقتصادي، في أي بقعة من الأرض، فمن يا ترى يقيم كفاءة هذه المؤسسات في تقييم دول بأسرها تقييماً موضوعياً؟ ومن يؤكد مصداقيتها في التقييم العادل؟ بقي أن نعرف أن مؤسسة «موديز» و«ستاندرد أند بورز» أميركيتان، في حين «فيتش ريتنغ» أوروبية (لندن) وإن كان مقرها في نيويورك، أما «كابيتال إنتليجنس» فهي أوروبية بحكم أن مركزها الرئيس في قبرص، ومن هنا لا نستبعد أن تفرض السياسة الأميركية الخارجية نفسها على مؤسساتها العالمية «أحياناً» لتتوافق مع أمنها القومي، وقد نمى إلى علمنا أن هناك كلاماً شائعاً بين مصرفيين مفاده أن هناك ضغطاً غير مباشر على مؤسسات التصنيف الائتماني، وخصوصاً مؤسستي «ستاندرد أند بورز» و«موديز» في سبيل الدفع وبقوة لصالح التطبيع مع إسرائيل، والسبب في إمكانية الاتجاه في هذا المنحى هو أن المصرفيين داخل الكويت وخارجها استغربوا من إجراء تخفيضين متتاليين لدولة كالكويت خلال بضعة شهور، في حين جرت العادة أن تصدر مثل هذه التصنيفات مرة واحدة في السنة. وما حدث للكويت من صدور تصنيفين خلال فترة زمنية قصيرة جداً، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الإجراء التصنيفي، يعني أنه يجب عدم استبعاد صدور تصنيفات سيادية أخرى من هذه المؤسسات الائتمانية بعد فترة زمنية قصيرة أخرى، خصوصاً إذا استمرت الكويت في سياستها الخارجية تجاه إسرائيل، ولم تحقق مطالبهم، لتكون هذه أحد أساليب الدول الكبرى في لي أذرع الدول التي لا تلبي مطالبها، ولإجبار الكويت على التطبيع.
مقالات - اضافات
بقايا خيال: التصنيف الائتماني مقابل التطبيع! معقولة؟
06-08-2021