طغى الارتباك والانقسام على موقف حركة النهضة الإسلامية مع اجتماع مجلس شورى الهيئة الأعلى في الحزب وسط أسوأ أزمة تضربها منذ عام 2011 وتضع مستقبلها السياسي على المحك، في وقت لا يستبعد خبراء أن يمضي الرئيس قيس سعيّد قدماً في إصلاحات سياسية عميقة من بينها تعديل النظام أو الدعوة لانتخابات مبكرة يطالب بها اتحاد الشغل.وبعد وصفه تجميد البرلمان ورفع حصانته وإقالة الحكومة بالانقلاب، أشار زعيم "النهضة" ورئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى تحول كبير في الأزمة السياسية بتأكيده أنه يتعين تحويل إجراءات سعيّد لفرصة للإصلاح واعتبارها مرحلة من مراحل التحول الديموقراطي، رافضاً لأي إجراءات استثنائية في الحركة.
وتزامن تبني الغنوشي لهجة أخف في تصريحاته، التي سارعت الصفحة الرسمية للحركة على "فيسبوك" إلى حذفه بعد دقائق من نشره مع صورة له، مع اجتماع تأجل عدة مرات لقادة حزبه وشهد اختلافاً وانقساماً في الآراء وعدم رضا على قراراته، مما أدى إلى انسحاب عدد منهم على غرار يمينة الزغلامي ومنية إبراهيم وجميلة الكسيكسي، وإعلانهن عدم تحملهم أي مسؤولية.
مجلس الشورى
وفي حين بدت مواقف قياديي الحركة، التي يرأسها الغنوشي منذ نشأتها بداية سبعينيات القرن الماضي، متضاربة لكنها عكست تراجعاً في حدة الانتقادات الموجهة لسعيّد قبل أسبوع، توصل مجلس شورى النهضة إلى قرار بتشكيل خلية أزمة تحت إشرافه تتولى إعداد خريطة طريق للمرحلة الجديدة، والتفاوض مع مختلف الأطراف، بحسب الناطقة باسم المجلس سناء مرسني.وشدّد مجلس شورى النهضة ''على ضرورة قيام الحركة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها وإطاراتها في أفق مؤتمرها 11 المقرر لنهاية هذه السنة، لإعادة النظر في خياراتها وتموقعها بما يتناسب مع رسائل الشارع التونسي وتتطلبها التطورات''.وأكّد حرص الحركة على نهج الحوار مع جميع الأطراف الوطنية وفي مقدمتها الرئيس من أجل تجاوز الأزمة المركبة وتحقيق السلم الاجتماعية وإنجاز الإصلاحات الضرورية والعودة للوضع الدستوري ورفع تعليق البرلمان والانخراط بمحاربة الفساد وملاحقة المورّطين فيه مهما كانت مواقعهم وانتماءاتهم، في إطار القانون وبعيداً عن أيّ توظيف للملفات''.وأوضحت الحركة أنها "تتفهم الغضب الشعبي المتنامي خصوصاً في أوساط الشباب بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة وتحميل الطبقة السياسية برمتها كل من موقعه وبحسب حجم مشاركته في المشهد السياسي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع ودعوتهم إلى الاعتراف والعمل على تصحيح الأداء والاعتذار عن الأخطاء".وحذر المجلس من الانشغال عن الفراغ الحكومي المستمر وعدم تكليف حكومة قادرة على معالجة أولويات الشعب الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية وعرضها على البرلمان لنيل ثقته والانكباب في أقرب وقت على تقوية إطار مقاومة جائحة كورونا وتعبئة الموارد المستعجلة لميزانية 2021 وإعداد مشروع ميزانية 2022.وأكد النائب محمد القوماني أن حركته ستعتذر للتونسيين عن الأخطاء وستقوم بمراجعتها وتصويب بوصلتها، وأنها على استعداد للتفاعل والتنازل من أجل التهيئة إلى انتخابات مبكرة والعودة إلى الوضع الطبيعي.اتحاد الشغل
ووسط توتر لتأخر الإعلان عن خريطة طريق بعد عشرة أيام من إمساك سعيّد بزمام السلطة التنفيذية، أكد أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، أمس، ضرورة العودة إلى الشعب وإجراء انتخابات مبكرة، قائلاً: "عند الاختلاف فإن أعتى الديموقراطيات تعود إلى من فوضها وهو الشعب".واعتبر الطبوبي أن لسعيّد فريقاً يعمل على اختيار رئيس حكومة، مشدداً على ضرورة التسريع في تعيينه دون تسرع وضرورة التعلم من أخطاء الماضي عند الاختيار.كما أوضح أن لاتحاد الشغل رؤية للمستقبل لكنه لن يفصح علها نظرا لحالة الغموض الحالية وعدم الاطلاع بعد على رؤية الرئيس لتحديد إن كانوا معها أو ضدها.وطالب الطبوبي سعيّد بتقديم توضيحات بخصوص عديد المسائل على غرار رؤيته للمرحلة القادمة وخريطة الطريق للخروج من الوضع الراهن، حتى يتمكن الاتحاد من إعلان موقف واضح.وأكد الطبوبي أن اتحاد الشغل تواصل مع عدد من المختصين للاستئناس بآرائهم في علاقة بالوضع الراهن، "لكن في النهاية للاتحاد قراره النقابي والسياسي والهيئة الإدارية ارتأت مزيداً من التأني نظراً إلى الضغوط الكبيرة وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للمرحلة القادمة"، وفق قوله.المشيشي واللونغو
إلى ذلك، نشرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أمس، صوراً لرئيس الوزراء المقال هشام المشيشي وهو يعلن عن ممتلكاته، في أول ظهور له بعد 11 يوماً من عزله.وتبدد الصور، التي نشرتها الهيئة على موقعها الإلكتروني، على ما يبدو دعاوى معارضي سعيّد بأن المشيشي رهن الإقامة الجبرية في منزله. في السياق، أفاد موقع "موزاييك" بأن المكلف بتسيير وزارة الداخلية رضا الغرسلاوي أصدر قراراً بوضع المدير العام السابق للمصالح المختصة (المخابرات) الأزهر اللونغو، تحت الإقامة الجبرية اعتباراً من الساعة العاشرة مساء أمس الأول وتم إبلاغه بفحوى الأمر بمقر إقامته بأريانة.وفي وقت سابق، قال سعيّد، أمس الأول، "هناك من يريد التّسلسل إلى مفاصل الدولة وإلى وزارة الداخلية على وجه الخصوص لتفتيت الدولة أو كما فعل ابن أبي سلول كبير منافقي يثرب"، مشدداً على أن حرص الدولة على تطبيق القانون وفرضه على الجميع بالمساواة.وأضاف سعيّد، خلال زيارته وزارة الداخلية، "لم نتعرض لأي كان على الإطلاق لمن ليست عليه قضايا لكن من عليه قضايا يجب أن يعيد الأموال إلى الشعب، والصلح لن يكون إلا مع الشعب وليس مع من يحاولون ضرب الدولة من الداخل وتفجيرها" مشيراً إلى أن الخطر الأكبر على الدول "ليس من الخارج بل هو تفتيت المجتمع والاقتتال وبعض المواقف التي لا تدل إطلاقا على الانتماء لهذا الوطن".