كوريا الجنوبية هي قوة وسطى متعددة الأبعاد، يصل عدد سكانها إلى خمسين مليون نسمة، وتحتل المرتبة العاشرة من حيث الناتج المحلي الإجمالي وفق تصنيف صندوق النقد الدولي في عام 2021، أما الجيش الكوري الجنوبي، فهو يشمل 600 ألف عنصر ناشط في عام 2021 وفق موقعGlobal Firepower. يبلغ إنفاق البلد على الدفاع 46 مليون دولار راهناً ومن المتوقع أن يتجاوز إنفاق اليابان بحلول عام 2023، كذلك، يحتل قطاع التصنيع في كوريا الجنوبية المرتبة الخامسة، بعد الصين، والولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا، ويرتكز اقتصاد البلد على خليط متوازن من القطاعات الصناعية الرائدة، وفي الوقت نفسه، تحتل كوريا الجنوبية المرتبة الأولى على مستوى الابتكار، فهي تتمتع بأسرع خدمة إنترنت في العالم وتستفيد من استثمارات قوية في مجال البحث والتطوير.

على صعيد آخر، تستطيع كوريا الجنوبية أن تؤدي دوراً مهماً لربط الغرب بالمجتمعات غير الغربية، وبفضل تطور البلد السياسي وتحوّله من مجتمع تقليدي حكمته سلالة جوسون طوال 500 سنة إلى ديموقراطية حيوية تقوم على الأيديولوجيا الليبرالية الغربية، أصبحت كوريا الجنوبية حالة أخرى فريدة من نوعها وباتت تشكّل صلة وصل بين الغرب وبقية دول العالم. من وجهة نظر الديمقراطيات الغربية، تُعتبر كوريا الجنوبية شريكة قيّمة وتجسيداً نموذجياً لطريقة نقل الأفكار والقيم الديموقراطية الليبرالية الغربية إلى مجتمع تقليدي وغير غربي، إلى جانب دول مثل الهند، تشكّل كوريا الجنوبية تجسيداً قوياً للطابع العالمي الذي تحمله القيم الليبرالية. وفي حين أصبحت الديموقراطية العالمية مُهددة بسبب توسّع القيادات الاستبدادية حول العالم، كان مناسباً أن تدعو مجموعة الدول الصناعية السبع كوريا الجنوبية إلى قمة هذه السنة في المملكة المتحدة بصفتها دولة مراقِبة، كذلك، قد تحصد القيم الليبرالية، مثل حرية التعبير، وحقوق الإنسان الأساسية، والمساواة العرقية، ودعم المثليين، تأييداً عالمياً إذا دافعت عنها ديموقراطيات غير غربية مثل كوريا الجنوبية.

Ad

قد تصبح تجربة كوريا الجنوبية الفريدة من نوعها كدولة تجمع بين الديموقراطية الغربية والقيم الاجتماعية الآسيوية مصدراً قوياً لنجاح البلد وتحوّله إلى نموذج جديد للتعامل مع التحديات العالمية، وخلال انتشار وباء كورونا العالمي، اعتُبِرت تجربة كوريا الجنوبية من أهم قصص النجاح على مستوى الوقاية والسيطرة على الفيروس. مقارنةً بالولايات المتحدة والدول الأوروبية، نجحت كوريا الجنوبية في احتواء الفيروس بفضل تدابيرها الحكومية الصارمة، منها تكثيف الفحوصات، وتعقب المصابين، والتباعد الاجتماعي، لكن ما كانت هذه التدابير لتصبح كافية لو لم تترافق مع مشاركة ناشطة وتعاون جدّي من المواطنين.

بالنسبة إلى المواطن الكوري العادي، لا يُعتبر الالتزام بتوجيهات كورونا ضرورياً لحماية نفسه فحسب، بل إنه عامل أساسي لحماية عائلته والمجتمع ككل، وسجلت كوريا الجنوبية أعلى نسبة مشاركة في حملات التلقيح، لكن كان هذا النجاح ممكناً لأن الشعب يثق بشفافية الحكومة وانفتاحها، وتمكنت كوريا الجنوبية من تحقيق هذه الإنجازات من دون فرض إقفال تام على مستوى المدن أو الوطن كله، بل نُفذت هذه الخطة عبر مشاركة الناس طوعاً في عملية ديمقراطية وشفافة، ونتيجةً لذلك، بقيت الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد الكوري الجنوبي ضئيلة، فخسر البلد 1% من ناتجه المحلي الإجمالي فقط في السنة الماضية، ومن المتوقع أن يسجل 4.3% من النمو الاقتصادي هذه السنة وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

لكن تكمن المفارقة في ميل الكوريين إلى عدم تقدير كوريا الجنوبية كقوة وسطى بارزة، فهم يضعون بلدهم حتى الآن في خانة الدول النامية، وغالباً ما تُركّز سياستها الخارجية على تهديدات كوريا الشمالية وطموحاتها النووية في شبه الجزيرة الكورية، لكن التوقعات المنتظرة من كوريا الجنوبية بدأت تتوسع، إذ يؤيد الكثيرون تولّيها مسؤوليات إضافية في الملفات الإقليمية والعالمية. سيتلقى الكوريون والعالم مفاجأة سارة حين يلاحظون تأثير كوريا الجنوبية المتصاعد باعتبارها قوة وسطى بارزة على الساحة العالمية.

* سيونغ هو شين

سيونغ هو شين

ناشيونال إنترست