حسابات «حزب الله» الإقليمية تدفعه لمواجهة طائفية داخلية
لبنان على فوهة بركان... والحكومة في مهب الاعتذارات
يقترب لبنان من فوهة البركان الإقليمي أكثر فأكثر، مع تزايد عوامل التعقيد فيه، من خلال التشابك بين ملفات داخلية وأخرى خارجية تُرخي ظلالها على كل المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية. وقد أصبحت عملية تشكيل الحكومة معقدة إلى حدّ بعيد، تتداخل فيها مجموعة عوامل، ولم تعد تقتصر على الاهتمام ببعض الملفات الاقتصادية والمالية، بل بعناصر زيادة منسوب الفتنة الطائفية والمذهبية، وارتفاع منسوب الأزمة السياسية، ومواجهة أزمة دبلوماسية مع المجتمع الدولي، بالإضافة إلى مخاطر التصعيد العسكري في الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل، وكلها تفرض نفسها على هذه الحكومة، التي لن تكون عملية تشكيلها سهلة، وسط ترجيحات مصادر متعددة بأن لبنان سيكون أمام حالة اعتذار جديدة للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، بعد أسابيع. يسير لبنان على طريق بالغ الخطورة؛ فالأحداث التي شهدها الجنوب في الأيام الماضية، منذ إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل وردها، ليعود «حزب الله» ويوجه ردّاً صاروخياً يتبناه بشكل رسمي، كلها تؤشر إلى حماوة الوضع الإقليمي وانعكاسه على الواقع الداخلي، وتؤكد أيضاً ربط لبنان بمصير الاستحقاقات الخارجية، وعلى رأسها تطورات الملف النووي الإيراني، والمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. لم يؤد هذا التوتر إلى كسر قواعد الاشتباك، بل إلى تثبيتها، خصوصاً أن إسرائيل حاولت كسر القواعد المفروضة، من خلال توجيه ضربات مقابل عدم ردّ «حزب الله»، لكنه سارع إلى الردّ في إطار الرفض المباشر لاستنساخ التجربة الإسرائيلية في سورية، أي استهداف مواقع عسكرية للحزب والإيرانيين من دون ردّ، لكن «حزب الله» يستحيل أن يوافق على تكريس مثل هذه المعادلة في لبنان، فهو لا يزال يؤكد أن الضربة مقابل الضربة.
ولا ينفصل هذا التطور عن مقومات التصعيد في المنطقة، وفي أعقاب التحشيد الإقليمي والدولي ضد إيران، على خلفية استهداف السفينة الإسرائيلية قبالة سواحل عمان. وبالتالي، أراد «حزب الله» إيصال رسالة بأنه جاهز للانخراط في أي معركة، بحال حصل أي اعتداء على إيران، ضمن إطار معادلة توحيد الجبهات. لكن وراءه تداعيات متعددة الاتجاهات، حول زيادة منسوب الضغط الدولي على لبنان، سياسياً ودبلوماسياً، وخصوصاً أن مجلس الأمن الدولي على أبواب عقد جلسة لمناقشة القرار 1701، والبحث في التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب. هذه الجلسة يفترض أن تعقد في أواخر الشهر الجاري، وسط مطالب دولية بضرورة توسيع مهام وصلاحيات قوات اليونيفيل، بعد الفشل في منع إطلاق الصواريخ، وسيكون ذلك أحد عوامل الضغط الجديدة على الحكومة اللبنانية. أما التداعي الداخلي الأخطر لما حصل في الجنوب، فكان الاشتباك بين أهالي بلدة شويا المنتمين إلى الطائفة الدرزية، وعناصر «حزب الله» الذين عملوا على إطلاق الصواريخ، وهذا مؤشر لاعتراض شعبي على ما يقوم به الحزب، وسيلقي ظلاله لاحقاً على مختلف الجماعات والمناطق، خصوصاً أنه أيقظ بذور الانقسام الطائفي، فكان قطع الطريق على عناصر الحزب في الجنوب مقابلاً لقطع طريق البقاع أيضاً في منطقة عالية، كردّ على اعتداءات تعرض لها مشايخ الدروز في بعض مناطق الجنوب. وتأتي هذه الحادثة، بعد اشتباكات خلدة بين الحزب وعشائر العرب، مما يعني اشتباكاً على طريق الجنوب أيضاً. كل هذه العوامل قابلة للتفجُّر في أي لحظة، إذا لم تتم معالجتها بشكل سريع، بناء على تسوية داخلية كبيرة برعاية إقليمية.هذه التسوية غير متوافرة المقومات حتى الآن، في ظل استمرار الانقسام الداخلي والخارجي حول مقاربة الملف اللبناني، بين دول تريد المساعدة ودول أخرى ترفض، لأنها تعتبر أن لا فرص للإنقاذ، ما لم يحصل تغيير جدي وجذري من القوى السياسية والاجتماعية في السلوك المتبع. وحتى مقومات ترتيب تسوية داخلية، ولو بالحدّ الأدنى من خلال تشكيل حكومة، ليست متوافرة، إذ تصطدم بشروط وشروط مضادة لم تؤد حتى الآن لإيجاد طريقها نحو الحلّ، في ظل استمرار الخلاف حول الحصص والحقائب والصراع على الصلاحيات والنفوذ.