للمرة الثالثة أو الرابعة قامت جهة لا أعرفها ببتر جملة من مقالي ونشرتها على أنها تصريح مني، والبتر هذه المرة كان في مقال الأسبوع الماضي بشأن إلغاء قانون القبض والإحضار، ولا أعلم إذا كانت هذه الجهة متعمدة التشويه أو مجرد عدم إدراك منها، لأن بتر هذه الجملة من السياق لا يعبر عن هدف المقال وما جاء فيه، لأنها كانت ردا على من دافع عن قانون إلغاء القبض والإحضار بحجة أن هذا الإجراء قد ألغته كثير من الدول، فذكرت رداً على هذه الحجة أن تلك الدول تحجز على البيت والراتب وسائر الممتلكات في حين البيت والراتب لا يحجز عليهما في الكويت، أي أني لم أطالب بالحجز على البيت لأن البيت في الكويت هو ملك الأسرة التي ليس لها ذنب، وإنما اعترضت على المقارنة مع تلك الدول، كما دعوت في المقال نفسه لوضع البدائل التي تضمن عدم ضياع الحقوق، وأيضاً ذكرت في المقال نفسه "أن القبض والإحضار لا يعني الحبس وإنما لكي يتأكد قاضي التنفيذ أن المدين قادر وممتنع عن السداد حسب نصوص القانون، وإذا لم يكن كذلك فإنه لا يحبس".وللأسف لم يقرأ كثير من المدونين المقال وتأثروا بتلك الجملة المبتورة واندفعوا في هجومهم، ومع تقديري لحسني النية إلا أن البعض أساء التعبير وحقق غرضاً من بتر الجملة من المقال، وبالتأكيد فإن كل ما نشروه لن يمنعني إن شاء الله عن الاستمرار في الدفاع عن الحق وبيان الخطأ الذي وقع فيه القانون.
وكنت قد نقلت في المقال تصريح المستشار صلاح الجري مدير الإدارة العامة للتنفيذ بأن "75% من المستفيدين من إلغاء الضبط والإحضار هم من الوافدين، وأن غالبية المتضررين من هذا القانون هم الذين صدرت لهم أحكام بالنفقات من زوجات وأبناء"، وأضاف "أن القبض والإحضار هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام الدائن لتحصيل حقوقه نتيجة قيام المدين بإخفاء أمواله وتهريبها"، وكذلك فقد بين المستشار أنور العنزي الذي ترأس الإدارة من قبل الاعتراض نفسه على قانون إلغاء القبض والإحضار وبين في لقائه مع الأستاذ حسين العبدالله في برنامج (أركان) ضرورة القبض والإحضار لأن هناك من يدعي الإعسار وهو قادر على الوفاء، وهذا هو أيضاً رأي المستشار علي الضبيبي الذي ترأس كذلك الإدارة العامة للتنفيذ قبل ذلك، ولكن للأسف فإن الحكومة لم تستمع لهم وكذلك اللجنة المختصة في مجلس الأمة لم تستضف ولم تأخذ برأي هؤلاء القضاة الذين مارسوا العمل وعلموا الحقائق والوقائع الفعلية فيما يفعله بعض الناس، لأن الناس كما قال المستشار أنور ليسوا سواسية في احترام وتطبيق القانون والتعامل مع الدائنين.وفي يوم الخميس الماضي صرح المستشار أحمد العجيل رئيس المجلس الأعلى للقضاء لصحيفة (الجريدة) مؤكداً رفض مجلس القضاء في اجتماعه الأخير هذا القانون وقال "كان من الأولى عدم ضبط المدينين التجار وفق قانون الإفلاس، لا أن يأتي التعديل ليلغي حبس جميع المدينين ومنهم المطالبون في قضايا الأسرة"، وأضاف بالنسبة إلى أحكام الأسرة "لا يمكن اتخاذ إجراءات فيها ضد المدين إلا بمنع السفر والحجز على الراتب في حدود معينة قد لا تفي بحقوق طالب التنفيذ".والغريب أن من حجج إلغاء الضبط والإحضار قولهم أنه يجب تبادل المعلومات الائتمانية قبل الدين! فهل يعقل أن تأخذ الفتاة ضمانات مالية مسبقاً ممن يخطبها تحسباً لطلاقها ولنفقة الأبناء؟ وأليس من الممكن أن يخفي بعض المتعاملين أموالهم أو يتصنعوا الإعسار حتى بعد تبادل هذه المعلومات لكي يتهربوا من أداء الدين؟وكذلك الأمر في قضايا رؤية الأطفال وتسليم المستندات مثل الجواز والبطاقة المدنية أي في غير الأحكام المالية هل تنفع الإجراءات الجديدة في تحصيل الحقوق من المواطن العادي الذي لا يملك ما يمكن الحجز عليه أو من ذلك المتهرب؟قال تعالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". (صحيح مسلم). وعلى كل حال فقد تلقيت اتصالات كثيرة مؤيدة لما كتبت من كثير من الإخوة والديوانيات، وقد نقلت لي هذه الاتصالات قصصاً وحوادث جرت في الأيام القليلة الماضية عن امتناع مدينين وشكوى أمهات حاضنات وشركاء لم يتم الوفاء بحقوقهم بعد صدور هذا القانون، كما قام بعض المحامين بنشر تصريحات وأشرطة فيديو تصدع بهذه الحقائق، فجزاهم الله خيراً.وأخيراً فإن الاستماع الى الرأي الآخر مهم ومطلوب مني ومن الإخوة أعضاء المجلس السابقين والحاليين والحكومة والكتاب والمدونين على أن يعبر عن هذا الرأي بأسلوب علمي لائق وبأخلاق الإسلام، أما الذين أساؤوا فحسابهم على الله.
مقالات
رياح وأوتاد: عودة إلى القانون الذي ضيع حقوق الناس ومسؤولية المدونين
09-08-2021