لنقف - اليوم- قليلاً أمام لمحاتٍ من حياة ثالث من حكموا الكويت، الشيخ جابر بن عبدالله الصباح، الذي حكم البلاد منذ 1814 حتى 1859، أي أن فترة حكمه استمرت 45 عاماً، لنتعرف على مواقف مرت في تاريخ هذا الرجل، وكيف كان يعالج الأمور:

***

Ad

تقدم إليه أحد المواطنين، مُعبراً له عن عدم قدرتهِ على دفع ضريبةٍ قد فُرضت على الحوانيت، ولم يكن الشيخ جابر يعلم أن ولده صباح كان قد فرض تلك الضريبة، فأرسل إلى ولده، وقال له "يا ولدي، إن لأهل الكويت علينا حقوقاً عظيمة، ولو كانت تحت يدي ثروة طائلة لجعلتها في خدمة أهل الكويت وقضاء حاجاتهم، ولكفيت المعوزين، والمُحتاجين منهم، إلى آخر سنوات أعمارهم، فارفع يا ولدي تلك الضريبة عن الناس".

***

• مما كتبه عبدالعزيز الرشيد في تاريخه عن الشيخ جابر أنه "كان شديد الاهتمام بعلاقاته المباشرة مع الأهالي، لتيسير أمورهم وقضاء حوائجهم، ويحرص على تحسين معيشة الناس، وتوفير الظروف الملائمة لإنعاش التجارة، فازدهرت في عصره صناعة السفن، فأصبحت لدى الكويت أساطيل من السفن تمخر عباب البحار".

***

• وكتب الميجور، جورج ب بروكس، في تقريره للحكومة البريطانية، أن شيخ الكويت -جابر- بعد أن بلغ المئة والعشرين من عمرهِ قد أوصى ولده الشيخ صباح قائلاً "يا ولدي إنك تعلم أنني سأفارق الحياة، وإنني سأموت فقيراً، دون أن أترك لك ثروة، أو نقوداً، غير أنني كوّنت في حياتي صداقات حقيقية خالصة مع أناسٍ عديدين، عليك أن تعتمد على هؤلاء، وانظر إلى الدول المختلفة من حولك في منطقة الخليج، تجد أنها تعاني بسبب الظلم وسوء الإدارة، لكن الكويت كانت دوماً بخير، فتمسك - يا ولدي - بسياسة والدك".

• وكتب الميجور جورج في آخر التقرير: "هذا ما أخبرني به الشيخ صباح نجل الشيخ جابر".

***

• وسياسة الشيخ جابر، التي أوصى ولده بها، قبيل وفاته، أن التجربة علّمته أن يكون متابعاً لمجريات الأمور في المناطق المجاورة لبلاده، فنأى بالكويت من الدخول فيما يعرضها لما هي في غنى عنه، فكان بمعزل عن خلافات أمراء المنتفق، واتخذ الحيطة في التعامل السليم من دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، ولم يتدخل فيما حدث بين آل الزهير -حكام الزبير- من خلافات، وكذلك كان حيادياً فيما كان يجري من خلافاتٍ في المحمرة، فبتلك السياسة جعل الكويت تنعم بالهدوء والسلام أثناء فترة حكمه... لكن ذلك لم يحل بينه وبين ما يطلب منه للتصدي بقوة لمساعدة الجيران، لكي يعينهم على استتباب الأمن فيها، وقد تم له الانتصار في أكثر من معركة لمساعدة جيرانه، وقد لقي حسن الجزاء من الدولة العثمانية على مواقفه معها.

***

• ومما كتبه عنه الرشيد -أيضاً- "كان عاقلاً، حليماً، حازماً، يضرب بكرمه المثل، حيث كانت تُفرش في عصره الموائد التي يقدم فيها الطعام للجميع، فأطلق عليه الناس لقب -جابر العيش- والعيش يعني الأرز، الذي كان يقدم مع اللحم للمواطنين".

ويوسف بن عيسى كتب عن الشيخ جابر أنه "كان مُحباً لقومه، مُشفقاً عليهم، لم يشعر الكويتيون في عهدهِ بمظاهر الإمارة وسلطانها، إذ بدا لهم كواحدٍ منهم، في إبان حكمه أثبتت الحوادث أنه أحرص الحكام الكويتيين على مصالح أهل الكويت".

***

ما حفزني لكتابة هذا المقال:

أن ردود الفعل الإيجابية التي تلقيتها عن مقال "حاكم الكويت النموذج" كانت مشجعة لي كي أسلط الضوء على هذه الومضات المضيئة من تاريخ حكام هذا البلد، وكيف أنهم كانوا يتمسكون بالعدالة، التي ستستمر، بإذن الله، ليبقى وطن النهار نموذجاً للحرية، والعدالة، والديموقراطية.

د.نجم عبدالكريم