العالم يحتاج إلى «خطة مارشال» جديدة
بينما يدخل العالم مرحلة جديدة (وأكثر خطورة على الأرجح) من زمن الوباء، يجب أن يبذل السياسيون جهوداً مضاعفة بدل التجادل حول طريقة التعامل مع هذه الأزمة الصحية العامة، فقد سئم الناس في كل مكان من المرض وارتفاع عدد الإصابات وتدابير الإقفال التام والمشاكل المالية، وبدؤوا يعبّرون الآن عن غضبهم في الشوارع، حي سبق أن احتشد الناس في البرازيل وكوبا وجنوب إفريقيا وأخيراً ماليزيا للاحتجاج على الوضع والمطالبة بتغيير سياسي، ومن المتوقع أن تتوسع الاضطرابات وتتفاقم قبل أن تتحسن الظروف مجدداً.أصبح سبب ما يحصل واضحاً، يعني تراجع كميات اللقاحات مقارنةً بالدول المتقدمة أن الدول الأقل ثراءً ستعاني بسبب فيروس كورونا لفترة أطول بكثير من أميركا الشمالية وأوروبا، وفي البلدان النامية، لا يزال مستوى التلقيح أقل من 20%، حتى أنه يَقِلّ عن 5% في عدد من الدول الإفريقية الأكثر فقراً، وفي الدول ذات المداخيل المنخفضة، يقتصر معدل التلقيح على 1.1%. لطالما تساءلنا عن وضع العالم بعد انتهاء الوباء، لكن لا تدعو الظروف للتفاؤل اليوم، ومع ذلك يجب ألا يصبح اليأس سيد الموقف، ويكفي أن نراجع ما حصل في أوروبا خلال السنوات التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، فبعدما اتجهت روسيا نحو ألمانيا وسقطت برلين في عام 1945، سارع الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين إلى ترسيخ سيطرته في دول البلطيق وأوروبا الشرقية، وبحلول أواخر الأربعينيات، أصبحت معظم دول أوروبا الشرقية تحت عباءة ما يُسمى «الستار الحديدي».
أمام هذا الوضع، شعر الكثيرون بأن مستقبل أوروبا الغربية السياسي قد يصبح بيد الأحزاب الشيوعية المحلية وأسيادها الخاضعين للسوفيات، فالظروف كانت مناسبة لإطلاق ثورة، وفي مارس 1947، حين كادت العصابات المدعومة من السوفيات تستولي على اليونان وتركيا، أدرك الرئيس الأميركي هاري ترومان وكبار مساعديه أن الولايات المتحدة باتت مضطرة للتدخل وتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية.أرادت إدارة ترومان أن تحمي أوروبا الغربية من مصير النصف الشرقي من القارة، فأعلنت في شهر يونيو من تلك السنة «خطة مارشال»: إنها مبادرة إنسانية طارئة لتأمين مساعدات تفوق قيمتها 17 مليار دولار إلى الأوروبيين.بعد مرور أربع سنوات، زاد إنتاج أوروبا الغربية بنسبة الضعف مقارنةً بحقبة ما قبل الحرب، فعاد الناس إلى العمل وأصبحت الديمقراطيات فيها آمنة، وهكذا تلاشى احتمال أن تصبح أوروبا كلها تابعة للاتحاد السوفياتي. نحن نواجه وضعاً مشابهاً اليوم، وبدل الحرب، يتعامل العالم مع وباء يُعتبر الأسوأ منذ قرن ويظن علماء الإحصاء أنه أسفر حتى الآن عن 12 مليون وفاة، أي أكثر من العدد الرسمي بثلاثة أضعاف، وبدل روسيا تحاول الصين هذه المرة استغلال الاضطرابات لترسيخ نفوذها وتطبيق أجندتها للهمينة على العالم، لكن الرئيس الأميركي جو بايدن ولا قادة العالم الحر لم يتحركوا حتى الآن لمواجهة هذا التحدي الوجودي. على عكس ما يظنه مخططو السياسة الغربيون، لا يشتق التهديد الوشيك من جيش الصين، ولا يُعتبر «التحالف الرباعي» حلاً للتهديد الراهن، ولن تفيد مبادرة «إعادة بناء العالم بشكلٍ أفضل» المنبثقة من مجموعة الدول الصناعية السبع، فهي تُعنى نظرياً بتمويل مشاريع البنى التحتية في الدول النامية وبشروط أفضل ظاهرياً من «مبادرة الحزام والطريق» الصينية.يجب أن يدرك بايدن الآن أن شيئاً لن يمنع بكين من محاولة استغلال الفوضى السياسية التي تحيط بالولايات المتحدة، وينطبق الوضع نفسه على إفريقيا وآسيا، وهما منطقتان ضعيفتان من العالم أيضاً.مثلما أدرك ترومان في السابق ضرورة اتخاذ خطوة عاجلة، يجب أن يفهم بايدن اليوم أنه يحتاج إلى طرح نسخة جديدة من «خطة مارشال»، إذ تحتاج الأنظمة الاقتصادية النامية إلى مساعدة عاجلة لأنها توشك على الانهيار، وإلا ستتضح العواقب على أوسع نطاق.* ريزال رملي