بحسب البرامج الحكومية المعلن عنها، هناك عدد كبير من مشاريع المدن الإسكانية، التي تسعى الدولة لتنفيذها، تحتاج إلى رصد مئات الملايين من الدنانير. ووسط العجز المالي الذي تعانيه الميزانية العامة، الذي بلغ للسنة المنتهية 11 مليار دينار تقريباً، تم تأجيل تنفيذ عدد منها لعدم وجود سيولة كافية.

وخرج مشروع تنفيذ البنية التحتية لمدينة جنوب سعد العبدالله، التي تضم 25 ألف وحدة سكنية، من حسابات ميزانية المؤسسة العامة للرعاية السكنية، للسنة المالية 2021/2022، مما يعني استمرار أزمة السكن، واستمرار تراكم طلبات المواطنين الإسكانية في المؤسسة.

Ad

وسألت «الجريدة» عدداً من العقاريين حول كيفية تنفيذ مشاريع البنية التحتية للمدن الإسكانية، وعدم تعرضها لعراقيل السيولة، وتنفيذها بأقل تكلفة ممكنة، فأكدوا أن تأجيل تنفيذ البنى التحتية للمشاريع له تبعات سلبية خطيرة خصوصاً أن أعداد المنتظرين في طابور «السكنية» يزداد سنوياً.

وذكر العقاريون أن تنفيذ البنية التحتية هو أساس انطلاق أي مشروع عقاري، وتأجيلها يعني تأجيل المشروع كله، مشيرين إلى أن هناك العديد من الآليات يمكن للحكومة اتباعها لتنفيذ مشاريعها بأقل تكلفة ممكنة... وإليكم التفاصيل:

أكد رئيس مجلس إدارة شركة «سدير» للتجارة والمقاولات طارق بدر المطوع أنه لا يوجد عجز في الميزانية العامة إنما هدر، وأوجه صرف لا تذهب لمستحقيها، ولا توظف في مكانها الصحيح.

وبين المطوع أن الحكومة طرحت العديد من مشاريع المدن الإسكانية، لكن ليس لديها القدرة على تنفيذها، وقامت بتأجيل عدد منها، ناهيك عن تأخر عدد آخر من المشاريع الإسكانية.

وقال المطوع، إن الحل هو إسناد إنشاء البنى التحتية للمشاريع الإسكانية للقطاع الخاص، فهو يمتلك الخبرة الكافية والقدرة على تنفيذها بأقرب وقت ممكن، لافتاً إلى أن هذا التوجه سيوفر على الدولة أموالاً طائلة وجهداً ووقتاً.

وذكر أنه على الدولة فرض رسوم على البنى التحتية للمدن الإسكانية، والخدمات المقدمة من الحكومة، وهذا ما تقوم به معظم دول العالم، إذ يصبح لها دخل ثابت يمكن استغلاله في تعزيز وتنويع مصادر دخل الميزانية العامة. وأشار إلى أن إسناد مشاريع البنى التحتية أو المشاريع الإسكانية للقطاع الخاص سيوفر فرص عمل للشباب الكويتيين، إذ تعتبر دائرة متصلة سيستفيد منها الجميع، من مواطنين، وشركات القطاع الخاص بجميع قطاعاته، وأيضاً الدولة، كما ستعمل على إنهاء الأزمة الإسكانية التي تتفاقم يوماً بعد آخر.

وضرب المطوع مثالاً أن الطالب الجامعي يكلف الدولة ما يقرب من 20 ألف دينار، في المقابل دراسته في الجامعات الخاصة ستكلف ما يقرب من 6 آلاف دينار، موضحاً أنه يمكن للحكومة أن تطبق هذا المثال على معظم الأنشطة والمشاريع التي تسعى إلى تنفيذها.

وذكر أنه لابد من إشراك القطاع الخاص في المشاريع، التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها، وهناك آليات عديدة وصيغ يمكن اتباعها للخروج بأفضل طريقة تنفيذ للمشاريع دون أن تكون هناك تكلفة عالية على الدولة أو تعثر في تنفيذها.

غلاء فاحش

من جهته، قال الخبير العقاري طارق العتيقي، إن الكويت تواجه غلاء فاحشاً في أسعار العقارات السكنية، نتيجة عمليات الاحتكار والمضاربة، وتباطؤ الحكومة في تنفيذ وعودها بإنشاء مدن إسكانية.

وأضاف العتيقي، أنه يمكن للدولة طرح مدن إسكانية دون تحمل ميزانيتها العامة مبالغ طائلة، عن طريق الاتفاق مع شركات القطاع الخاص على تطوير الأراضي المخصصة للمدن الإسكانية، وبأسعار محددة، ثم يسمح لها ببيع الأراضي بفائدة معلومة وثابتة ومتفق عليها مسبقاً.

وأوضح أنه بتلك الطريقة يمكن تطوير أكثر من مدينة في آن واحد، موضحاً أنه ليس من الضرورة تقديم خدمات متكاملة دفعة واحدة، إنما يمكن تجزئتها على مراحل، فالهدف هو توفير سكن للمواطن وبأقرب وقت ممكن.

وذكر أنه يجب أن تكون هناك قوانين مساندة، على سبيل المثال، الرهن العقاري، لتغطية طلبات المواطنين عن طريق البنوك المحلية، وفق شروط ومدد طويلة.

وأشار إلى أن تعديل التركيبة السكانية سينعكس إيجاباً على معظم الخدمات المقدمة من الدولة، وعلى رأسها الكهرباء، موضحاً أن التوجه نحو تعديل التركيبة سيخلق فائضاً في الكهرباء يمكن توجيهها نحو المدن الإسكانية الجديدة.

وأضاف أن الآلية، التي تتبعها الدولة منذ نشأتها بتوفير سكن للمواطنين، لا تصلح حالياً، في ظل وجود عجز مالي وازدياد أعداد المواطنين، مبيناً أن هناك طرقاً عديدة يمكن اتباعها لتنفيذ أكبر قدر من المشاريع عن طريق القطاع الخاص.

أزمة عالمية

من ناحيته، قال رئيس اتحاد وسطاء العقار عبدالعزيز الدغيشم، إن الكويت تعاني أزمة الإسكانية خانقة، وهي تعتبر أزمة عالمية وليست فقط محلية، مشيراً إلى أن جميع الدول تسعى إلى وضع خطط وترصد لها المبالغ ليتم تنفيذها على أرض الواقع.

وأضاف الدغيشم أنه يجب في البداية أن يكون هناك تنسيق بين كل الوزارات لوضع خطة متكاملة لإنشاء المدن الإسكانية، إضافة إلى وضع قوانين من شأنها أن توفر على الدولة تكاليف الإنشاء، وتعمل في الوقت ذاته على تننفيذها بشكل أسرع وبجودة عالية.

وأوضح أن الاستعانة بشركات التطوير العقاري هو الحل الأمثل لإنشاء مدن سكنية متكاملة، إذ يمكن للدولة منح القطاع الخاص أراضي فضاء لتطويرها من بنى تحتية ومساكن وفق شروط ومواصفات وأسعار محددة يتم الاتفاق عليها سابقاً.

وتابع أنه يمكن للشركات بيع المساكن للمواطنين عن طريق «الرهن العقاري» وإسناد لها إدارة المرافق الخاصة للمدينة للاستفادة من العوائد، وبتلك الطريقة تكون استفادة الدولة لتنفيذ مشاريعها الإسكانية بوقت أقل وبتكلفة منخفضة، وأيضاً الفائدة تعود للمواطن ولشركات القطاع الخاص بكل مجالاتها.

وأشار الدغيشم إلى أن الدولة تتوسع نتيجة الزيادة في أعداد السكان وعليها تنفيذ مشاريع الطاقة لتغطية متطلبات الاستهلاك المتزايدة، موضحاً أن الضغط على استهلاك الكهرباء جاء نتيجة عمليات الدمج وفرز المباني.

وقال إن منع الدمج وفرز المباني في المدن الجديدة، سيعمل على تقنين استهلاك الكهرباء، إذ انعكس الفرز سلباً على العديد من المناطق النموذجية، وشكل ضغطاً على كل الخدمات المقدمة من الدولة.

تبعات سلبية

بدوره، قال الرئيس التنفيذي لشركة أعيان العقارية وأمين سر اتحاد العقاريين إبراهيم العوضي، إن مشروع مدينة جنوب سعد العبدالله يعتبر من المشاريع المهمة، إذ تضم 25 ألف وحدة سكنية، موضحاً أن تأجيل تنفيذ بنيتها التحتية ستكون له تبعات سلبية خطيرة خصوصاً أن أعداد المنتظرين في طابور المؤسسة العامة للرعاية السكنية يزداد سنوياً.

وأفاد العوضي بأن تنفيذ البنية التحتية هو أساس انطلاق أي مشروع عقاري، وتأجيلها يعني تأجيل المشروع بأكمله، فالأسباب واضحة، وهي تتمثل في عدم توافر السيولة لتنفيذ مثل هذه المشاريع الضخمة، وهذا مرتبط بميزانية الدولة وانخفاض إيرادات النفط وزيادة بند المصروفات على بند الإيرادات بالتالي استمرار عجز الميزانية.

وأوضح أنه قد يكون إشراك القطاع الخاص في عملية تطوير الأراضي هو الحل، لكن لن يكون الحل الأمثل في الوقت الحالي، إذ ما سيتكلفه القطاع الخاص في تنفيذ البنية التحتية سيدفعه إما المواطن وإما الدولة، فالقطاع الخاص لن يعمل مجاناً، بالتالي ما سيتم تنفيذه سيكون له هامش ربح وهذا من شأنه زيادة التكلفة على الدولة.

وتابع أن النقطة المهمة التي يجب على متخذي القرار دراستها هي أن ما يعانيه بنك الائتمان هو ذاته ما تعانيه المؤسسة العامة للرعاية السكنية، إذ لا يوجد مصدر دخل للمؤسسة يساعدها في ديمومة واستمرارية مشاريعها، وفي المقابل تمتلك المؤسسة كمية من الأراضي.

وتابع العوضي أنه على المؤسسة التفكير في استثمار هذه الأراضي واستغلالها بطريقة يساعدها في إيجاد مصدر دخل لها، على أن يتم استغلال هذه الإيرادات في تطوير البنية التحتية للمشاريع المختلفة، ثم بعد ذلك التفكير في كيفية تطوير تلك المشاريع عن طريق الرهن العقاري أو عن طريق إشراك القطاع الخاص.

وأشار إلى أنه على المؤسسة استغلال أراضيها بطريقة وبفكر ومنهج استثماري بحت، بحيث يتم استثمار هذه الأراضي عن طريق طرحها للقطاع الخاص أو للشركات الأجنبية وإقامة مشاريع استثمارية أو ترفيهية لتحقيق موارد مالية تساعدها في تطوير مشاريع البنى التحتية للمشاريع الإسكانية ليتم تلبية متطلبات المواطنين من السكن والتي تزداد عام بعد الآخر.

سند الشمري