رغم إعلان واشنطن عن إبقاء نحو ٦٥٠ جندياً لتأمين سفارتها في كابول ومطارها، بدأت حركة "طالبان"، أمس، تشديد الخناق على مزار شريف، كبرى المدن في شمال أفغانستان، بعد اجتياحها عاصمة إقليم فرح، في وقت حذّر مسؤول أفغاني من أن العاصمة كابول، قد تسقط بيد الحركة في غضون أسابيع قليلة.وبات الوضع شمالاً يتغيّر بسرعة بعدما باتت "طالبان" تسيطر على 6 من عواصم الولايات الـ 34.
وليل الاثنين ـــ الثلاثاء، هاجم مسلحو الحركة ضواحي مزار شريف، وبول الخمري وفايز آباد، وهي 3 عواصم ولايات في الشمال لكن تم صدهم وفق وزارة الدفاع التي أكدت، أمس، بأن القوات الحكومية تمكنت من قتل عشرات المتمردين في غارات على مواقع لها في محيط مزار شريف عاصمة ولاية بلخ، التي أعلن حاكمها أن معارك عنيفة ما زالت تدور على مشارف مزار شريف. بالمقابل، أعلن الناطق باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، أن مقاتلي الحركة سيطروا على مواقع عدة في محيط مزار شريف وكذلك في ولاية ننغرهار. كما قال إنهم أوقعوا قتلى وجرحى في القوات الحكومية ودمروا آليات واستحوذوا على أسلحة.ومزار الشريف مدينة تاريخية ومفترق طرق تجاري، وهي من الدعائم التي استندت إليها الحكومة للسيطرة على شمال البلاد، وسيشكل سقوطها ضربة قاسية جداً للسلطات.ودائماً نُظر إلى شمال أفغانستان على أنه معقل للمعارضة في وجه "طالبان" التي واجهت أقوى مقاومة عندما وصلت إلى السلطة في تسعينيات القرن الماضي.
غني وهيرات
وإزاء هذه التطورات المتسارعة، دعا الرئيس أشرف غني، رجال المنطقة الأقوياء لدعم حكومته المنهكة.وذكرت قناة "الجزيرة"، إن الرئيس الأفغاني التقى أخيراً مع عبدالرشيد دوستم، وسط حديث وأنباء، عن أن الرئيس يفكر في خلق "انتفاضات شعبية" وتسليح المدنيين باعتبارهم حائط الصد الأخير أمام تقدم "طالبان".إلى ذلك، قررت الحكومة الهندية إغلاق قنصليتها في مزار شريف.وقال مصدر حكومي هندي: "تغلق الهند قنصليتها في مزار شريف بشكل مؤقت. سيتم إجلاء كل الدبلوماسيين هناك في رحلة طيران خاصة".وفي غرب أفغانستان، شددت "طالبان" حصارها لمدينة هيرات الرئيسية في المنطقة، والتي كانت تهاجمها من 3 جهات، مع بقاء عدد قليل من القوات النظامية في تلك المدينة، فيما يقود رجال الميليشيات الموالية لأمير الحرب إسماعيل خان القتال هناك.استقالة غني
وأوضحت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير خاص أن سلسلة الخسائر في المعارك الدائرة التي منيت بها القوات الحكومية تؤجج الدعوات إلى استقالة رئيس البلاد أشرف غني، أو تغيير أساليب إدارته للأزمة.ويأتي ذلك بالتزامن مع تحذير أحمد والي مسعود، السفير الأفغاني السابق في لندن وشقيق أحد قادة القتال ضد الاحتلال الروسي السابق، أحمد شاه مسعود، الذي اغتاله تنظيم "القاعدة" في العام 2001، من أن العاصمة، كابول، قد تسقط بيد الحركة في غضون أسابيع قليلة ما لم تتوحّد جميع القوى السياسية المعارضة للتمرد وراء خطة حرب مشتركة.وقال مسعود: "لا يوجد دافع للجيش للقتال من أجل الحكومة الفاسدة والسياسيين الفاسدين هنا، فهم حتى لا يحصلون على الطعام الكافي، وقد يعتقدون أن حالهم سيكون أفضل مع طالبان، ولذلك يغير بعض القادة العسكريين مواقفهم". وإذا كان انشقاق واستسلام القادة ذوي الرتب المنخفضة لـ"طالبان" ليس بالأمر المهم، حسب مراقبين، فإن، انشقاق آصف عظيمي، أحد أمراء الحرب البارزين في "حزب الجمعية الإسلامية الطاجيكي" في مقاطعة سامانغان، يعتبر أهم نقطة تحول في هذا الصعيد حتى الآن، إذ ذلك قد يدفع قادة كبار من ميليشيات أخرى إلى عقد صفقات تسوية مع "طالبان".انهيار الجيش
وكان ينبغي أن تكون قوات الأمن الأفغانية، التي يبلغ قوامها نحو 350 ألف جندي على الورق، كافية لصد حركة "طالبان"، ومع ذلك، كان هناك نحو 250 ألف جندي فقط في الخدمة عندما بدأ هجوم "طالبان" الحالي هذا الربيع، واستسلم العديد منهم بعد نفاد الذخيرة والطعام، وبعد أن ظلوا بدون وراتب أشهر، حيث أثبتت الحكومة أنها غير قادرة على إرسال إمدادات إلى المناطق النائية.ووفقا لخبراء عسكريين فإن الجيش قد انهار جزئياً جراء اعتماده على المتعاقدين الأجانب والدعم الجوي والذي بنهايته لن تكون الحكومة قادرة على تطويره بإمكانياتها ومواردها المحدودة.البنتاغون والترويكا
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" إن الأفغان هم المسؤولون عن الدفاع عن بلدهم.وقال الناطق باسم "البنتاغون" جون كيربي، إن "طالبان حققت تقدما على الأرض، وواشنطن ستواصل دعمها للقوات الأفغانية من خلال الغارات الجوية"، مشيراً إلى أن القوات الأفغانية تتمتع بالقدرات العسكرية لإحداث فارق على الأرض.وشن الطيران الأميركي قصف جوي، أمس، على مواقع "طالبان" في مواقع عدة منها مديرية نجراب بولاية كابيسة، وفي هلمند.سياسيا، انطلق أمس، في العاصمة القطرية الدوحة اجتماع الترويكا الدولية حول أفغانستان يستمر 3 أيام، لبحث آخر تطورات الملف الأفغاني، بمشاركة المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد.