حلت علينا، الأسبوع الفائت، الذكرى الـ 47 لواحدة من أكبر الفضائح السياسية في التاريخ الحديث، باستقالة الرئيس الأميركي الـ 37 ريتشارد نيكسون، الذي زار مصر أيام الرئيس السادات، بعد طرد الخبراء الروس، فأولموا وليمة سمك على سفينة، فعلق أحدهم: "السادات ونيكسون بياكلوا سمك وبيرموا الروس في البحر".

وشعر أحمد فؤاد نجم فقال: "شرّفت يا نكسون بابا... يا بتاع الووترجيت". حيث ظلت فضيحة ووترجيت عالقة به حتى بعد موته.

Ad

كان نيكسون يعاني الشك المرضي، وقيل البارانويا، حيث كان يسجل كل شيء في أشرطة بلغت آلاف الساعات، وعندما تم نشرها في كتب اتضحت الأمور.

في يونيو 1972، اعتقل 5 رجال من حملة "إعادة انتخاب نيكسون"، لاقتحامهم وتجسسهم على مقر اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي، بمبنى ووترجيت. كان ممكناً وقوف المسألة عند اتهام موظفين صغار، إلا أن الصحافيَّين كارل برينستين وبوب وودوارد، من "واشنطن بوست"، اكتشفا من مصدر داخل الإدارة، لقب بـ "الحنجرة العميقة"، أن المؤامرة أكبر بكثير وتمس "كل رجال الرئيس"، وهو اسم الفيلم المشهور عن القضية.

وفي 1973 قامت لجنة بمجلس الشيوخ بعقد جلسات استماع علنية، عبر التلفزيون، حول الفضيحة الكبرى، التي هزت عرش السياسة في أقوى دولة بالعالم. وتوالت الاعترافات، ليتضح أن التجسس كان يتم على آلاف المواطنين، وبعلم الرئيس.

حاول نيكسون، دون جدوى، إيقاف ذلك، باذلاً كل ما في وسعه؛ بالتهديد أو بالفصل أو بإخفاء الأشرطة.

فضيحة ووترجيت كانت نموذجاً للتسلط باسم الديموقراطية، وكيف تمكنت أدوات الديموقراطية من إيقافها.

وتحت ضغط إجراءات العزل المؤكد، اضطر نيكسون إلى أن يستقيل في مثل هذه الأيام من 1974، ليصبح أول وآخر رئيس أميركي يستقيل. وعند مغادرته البيت الأبيض نهائياً، رفع ذراعيه بحركته المشهورة، دلالة على النصر، الذي لم يكن كذلك هذه المرة.

تولى الرئاسة من بعده جيرالد فورد، الذي أصدر عفواً عن نيكسون في أي جرائم ارتكبها أثناء رئاسته، معللاً ذلك برغبته في إنهاء الانقسامات، التي أحدثتها فضيحة ووترجيت.

صدمة "ووترجيت" مازالت مؤثرة في الذهنية السياسية الأميركية، ولم يعد الرئيس بعيداً عن المساءلة أثناء رئاسته، كما حدث مع بيل كلينتون ودونالد ترامب.

الانتخابات الأخيرة في أميركا والانقسام الداخلي الحاد مازالا يعصفان بالحياة السياسية، وسيكون غداً الخميس 12 أغسطس تاريخاً مفصلياً، حيث ستعلن فيه نتائج التعداد العام للسكان، والذي على أساسه سيتم إعادة تحديد الدوائر الانتخابية، ومن المتوقع أن يتم فيها الكثير من التغيرات الجغرافية على أسس سياسية، خاصة بعد حكم المحكمة العليا بعدم التدخل.

إلا أنه لا يحمي الديموقراطية من التسلط إلا مزيدٌ من الضمانات الديموقراطية.

أ.د. غانم النجار