أستغرب من الاستغفال الذي تمارسه أنظمة الدول العربية في حق شعوبها، فهي تكثر من الحديث عن تنمية لا وجود لها، وتتحدث عن تطوير وتغييرات لا حقيقة تدل عليها!فالتنمية والتطوير والتغيير ليست طرقات ولا مباني أسمنتية، كما أنها ليست شعارات وخطباً وبيانات، فقد شبعنا كشعوب عربية وإسلامية من التنمية والتطوير الورقي والإعلامي، حتى صار بنا الحال إلى أن انطبق علينا المثل العربي الشهير "أسمع جعجعة ولا أرى عجيناً".
ولا شك أن أحوالنا وأحوال بلادنا من تراجع إلى أسوأ، ومن فساد لآخر، ومن عبث لخراب وانهيار، فما أسهل الشعارات وما أسوأ الواقع!إن التنمية والتطوير تحققهما الدولة الفعلية، لا الدولة الهلامية والشكلية، فالدولة الفعلية هي التي تضع الإنسان حجر الزاوية في تنميتها وتطورها، فتكرم آدميته وتحترم إنسانيته، وتعلي قيمته وتحفظ حقوقه، وتصون مكانته، وتشركه في إدارتها وبنائها وتنميتها، بعيداً عن أي مظاهر لإهماله وتهميشه، أو إقصائه ومضايقته أو ملاحقته، وإلا كان كل ما يصدر عنها للاستهلاك الإعلامي، ويتجه نحو هدمه بدلاً من تنميته!ولو راجعنا وضع الدول العربية، والكويت من ضمنها، لوجدنا أننا لا نحظى بمقومات الدولة إلا اسماً، فالدولة ليست نظاماً حاكماً وشعاراً وعَلَماً واحتفالات، بل الدولة تعني إنساناً يشكل محورها، ومؤسسات، ونظاماً عليه تُرسي كل شؤونها، لا مجرد عبارات إنشائية تسطر ورقياً ولا تجد تصديقاً لها في الواقع، فالدولة نظام منصف وعادل جامع لأناسها، مُمَكّن لهم من ممارسة جميع حقوقهم الإنسانية وحرياتهم الطبيعية، التي فطرهم الله سبحانه وتعالى عليها، والدولة العادلة والمنصفة، هي التي ترعى العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وكل فرد فيها يشعر بقيمته واحترامه، وفيها يخضع الجميع لحكم القانون ومؤسسات الدولة، ولا يوجد من يلي الوظائف لاعتبارات لا قيمة لها، مثل كونه من أسرة الحكم أو أخاً أو ابناً أو قريباً أو صديقاً لوزير أو مسؤول أو متنفذ أو نائب، وفيها لا يمكن اختراق أجهزة العدالة وتطبيق القانون، وفيها لا يتم حجز الإنسان أو وقفه أو التحقيق معه لمجرد أن له رأياً ويختلف مع السلطة في الرأي أو أسلوبها في إدارة البلد وينتقدها نقداً صحيحاً بلا تجريح ولا تعدٍّ، وفيها يُطلَق للناس، كل الناس، التنافس العادل في جميع المجالات، ولا يتم قصر ذلك على المتنفذين وأصحاب السلطة وبطانتهم، وفيها الإعلام يصبح أداة للخبر الأمين والرأي الحر والتحاور وبناء الشجاعة الأدبية، لا وسيلة للتمجيد والمديح الذي لا معنى له.وفيها تصبح المؤسسات قوية يتبوأ مسؤوليتها القوي النزيه والثقة الأمين، ولا تسند إلى فاسد أو من يضع مصالحه قبل مصالح البلد، ومن خلالها تقوى مؤسسية الدولة ويضبط إيقاعها، ولا يتم التسلل إليها من ضعيف أو مندوب أو من له واسطة ومحسوبية أو صاحب مال أو نفوذ، وبها تُصرّف أعمال الدولة برقابة متبادلة ومتوازنة ومنطقية، فيصبح البرلمان سلطة فعالة بتشريع واعٍ ومسؤول بلا ارتجال، ورقابته فورية بناءة ومؤثرة في محاصرة الفساد ومكافحته، بلا معوقات أو مماطلة، وفيها لا تحجب المعلومات ولا تعطل المساءلات، ولا تحفظ القضايا والبلاغات، وإنما تسود أعمال الدولة العلانية والشفافية الكاملة، التي تبعث على الطمأنينة والثقة، وتتوارى القرارات والتعيينات البراشوتية، وفيها لا تقدم الخدمات على أساس الاسم أو الانتماء أو النفوذ، بل على أساس أنها حق للمواطن، وليس للمزور أو الغشاش أو السارق أو المهمل أو المتطفل مكان فيها.ومتى كان العدل والإنصاف هما السائدَين بالدولة، فستُشحذ الهمم ويرتقي الإنسان ويتطور ويكون هو الركيزة، فتدور حركة النمو وتتحقق التنمية، وهنا فقط نكون أمام دولة بحق لا مجرد نظام يمسك سلطة ويتصرف حسب أهوائه ورغباته، وهي الحال السائدة في الدول العربية، لكونها نظام أشخاص لا دولة مؤسسات.فهلا يتحقق حلمنا بدولة العدل؟!
أخر كلام
التقدم... تحققه دولة العدل
11-08-2021