من صيد الخاطر: بهكذا قادة تنهض الأمم
ألّف مهاتير محمد في سنة 1970 كتابا بعنوان «معضلة المالايو» انتقد فيه بشدة شعبه، متهماً إياه بالكسل، ورضاه بأن تظل ماليزيا دولة متخلفة تعتمد على ما تزرعه من دون محاولة لتطويرها، هذا الكتاب ألّب عليه الحزب الحاكم، فمنع من التداول، غير أن الحزب نفسه اقتنع لاحقا بقدرات مهاتير، ودفعه الى رئاسة وزراء بلاده سنة 1981 ولمدة 22 سنة، هذه الفترة أتاحت له الفرصة كاملة ليحول أفكاره إلى واقع، وأن يقود خلالها بلده ليصبح أحد أنجح الاقتصادات في جنوب شرق آسيا والعالم الإسلامي، ففي عهده تحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، إلى دولة صناعية متقدمة يسهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا أدى بالطبع الى رفع معدل دخل الفرد، وإلى تراجع الفقر والبطالة في البلاد.ولمهاتير محمد أقوال في غاية الأهمية، منها: لا بد من توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية، وهي الفقر والبطالة والجوع والجهل، لأن الانشغال بالأيديولوجيات ومحاولة الهيمنة بها على المجتمع، وفرض أجندات ووصايا ثقافية وفكرية عليه، لن يقود إلا إلى مزيد من الاحتقان والتنازع.ومنها: نحن المسلمون، صرفنا أوقاتا وجهوداً كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول في معارك تاريخية، مثل الصراع بين السنّة والشيعة، وغيرها من المعارك القديمة، مما أضر بأمن واستقرار المجتمع، فلم نستطع بسببها أن نضع لبنة فوق أخرى، ولكننا بالحوار والتفاهم مع الجميع نجحنا في تبني وتنفيذ خطة 2020 لبناء ماليزيا الجديدة، وهذا ما تم بالفعل.
وقال: قيادة المجتمعات المسلمة، والنهوض بها الى الأمام لا ينبغي أن تخضع لهيمنة فتاوى الفقهاء والوعّاظ، فالمجتمعات المسلمة عندما رضخت لبعض الفتاوى والتصورات الفقهية التي لا تتناسب مع حركة تقدم التاريخ، أصيبت بالتخلف والجهل، فالعديد من الفقهاء حرّموا على الناس استخدام التلفزيون والمذياع، وركوب الدراجات، بل جرّموا تجارب عباس بن فرناس بمحاولته الطيران، وإن ادعاء الفقهاء بأن قراءة القرآن كافية لتحقيق النهوض والتقدم قد أثر سلبا على المجتمع. وقال: لقد انخفضت لدينا نسب العلماء في الفيزياء والكيمياء والهندسة والطب، بل بلغ الأمر، في بعض الكتابات الدينية، إلى تحريم الانشغال بهذه العلوم، وبالتالي يجب أن تكون حركة المجتمع جريئة وقوية، وعلى الجميع أن يُدرك أن فتاوى وآراء النخب الدينية ليست ديناً، وأن المجتمعات تنهض بالانضباط والإخلاص التام لجهة العمل، والأهم الحرص على اختيار المديرين والقياديين الجيدين ليكونوا قدوة لموظفيهم.فمن هكذا ساسة يقتدى بهم، وبهكذا قادة تنهض الأمم، فالقائد الحكيم المحنك لا تهمه البهرجة الإعلامية، وإضاعة وقت الأمة على أخبار لا فائدة منها، الشعوب تريد أن تسمع من قادتها عن إنجازاتها التنموية والصناعية والعلمية، لا مقابلاتها وبرقيات التهنئة المتبادلة.ملحوظة: مقتبسة بتصرف.