يحمل الإنسان في تركيبته الربانية متناقضات وغرائز معقدة في أصلها وفي التعامل بها، وضعها الخالق لعلمه بضرورتها لتتكشف وتتطور على مر الزمن لتناسب الحاجة إليها، وهذه المتناقضات تأخذ صفات تناسب كل وقت وحاجة، فتستشري تارة وتضعف تارة، لكنها لا تبرح تركيبة البشر، ومع أن الإنسان يحمل بعض الغرائز في تركيبته مثل الحب والكره والغيرة والحقد والتعالي والاستكبار والتواضع والألفة والأمان والخوف وما إلى ذلك فإن الخير والشر، على سبيل المثال، هما أكثر هذه الغرائز التي يستفيد منها أو يعانيها الإنسان. العقل هو الذي يتحكم فيها ويوجهها وفي الذات الإنسانية التي تجنح إلى أي من هذه المتناقضات التي تبقى الحياة في حاجتها لحكمة ربانية، فالمتناقضات ليست كلها سيئة أو مكروهة، فمنها ما كان له فوائد ونتائج حسنة، والرأي السديد حين يكون الاحتكام للعقل بين البشر فإن النقائض في الرأي كما- تؤكده أقوال الحكماء- ظاهرة صحية تحتاجها المواقف ذات الصلة، وتكون نتيجته التناقض الذي أساسه "التشاور" للوصول إلى الرأي السديد فتتجلى صور الخير وتنحسر مظاهر الشر وتختفي.
هذه الخصائص البشرية أفرزت أعرافا وقوانين كانت في كل عصر تؤدي غرضها في حفظ الاستقرار والطمأنينة للنفس الإنسانية، وبقيت مجاورة لما كان يصل الإنسان من رسالات سماوية ترسم له خط سيره وتضبط إيقاع حياته وسط عالم مضطرب همجي لا يقيم أي اعتبار لقيمة الإنسان حين كانت العبودية والسبي والقتل سائدة، فكان السيد والعبد من مظاهر وأعراف وضعها الأقوياء بما يتفق مع رغباتهم، لكنها انحسرت حين جاءت الرسالات السماوية إلا ما بقي خافيا في النفس البشرية من شرور هي في التركيبة التي خلق عليها الإنسان ولم يصلها التهذيب الكافي. مع تطور الحياة وأدواتها ظهرت القوانين الوضعية، وهي متوازية مع العادات والتقاليد، لكنها أكثر قوة في ضبط إيقاع الحياة والعلاقات في المجتمع الواحد وبين المجتمعات التي كثرت وكبرت مساحاتها، وصارت دولا وبلادا مترامية الأطراف، فصار لهذه القوانين سلطة تسيير العلاقات البشرية، ومع تشابك صور الحياة في كل أشكالها كانت هناك مواقف تمرد الإنسان فيها على هذه القوانين لكنه بقي خائفا فقط من التشريعات السماوية يحسب لها حسابها ثم بدأت تنحسر مشاعره الروحانية حين قامت القوانين الوضعية بتيسير ما هو محظور، فكان الانفلات قد عم أكثر صور الحياة إلا من اعتصم بالخوف من العقاب الذي أجمعت عليه كل الرسالات التي كان هدفها الأول والأخير سلامة الإنسان. تحمل الأخبار صور جرائم تودي بحياة بعض النساء أو الفتيات بدعوى ما يسمى" الشرف" وكأن الأب أو الأخ قد منح نفسه حق المحاسبة في المعصية إن حدثت وتغافل عن التعليمات السماوية التي حددت مسار أي حق واستحقاقه وصورته وتوقيته، بل إن الفاعل للمنكر يكون قد تجاوز وأغفل وجود قانون دنيوي وضعي سيحاسبه، وهذه الظاهرة استفحلت وكبرت مما يهدد بعدم الطمأنينة بل الانفلات حين يكون التراخي في العقاب. وليس الرجل ببعيد عن هذا فبتنا نسمع عن رجال يتعرضون لأبشع صور القتل والموت على يد زوجاتهم أو من يساعدهن، وهذا يعني أن الخير تكاد صورته تغيب في حين يكاد الشر ينتصر في غياب من يردعه، وأن الحمق والعصبية قد تجاوزا حدود الأعراف والقوانين ليقفزا على كل الشرائع! * كاتب فلسطيني- كندا
مقالات - اضافات
لينتصر الخير على الشر!
13-08-2021