نقطة: قطر حاشتها الكويت!
قطر الصغيرة المليحة الذكية، الكبيرة بجزيرتها وتلاحم أهلها، القوية بغازها وعلاقاتها، قررت أن تصنع ثورتها المباركة بيدها لا بيد الأغراب والطامعين، الديموقراطية من الأعلى قبل أن تعود الرياح إلى حيث بدأت، فالشعوب ترى وتقارن وتطالب وتتحرك إن لم تجد صدى لصوتها، ودائماً المبادرة والاستباق أفضل من الانتظار المقلق، وإن تأخر الأمر قليلاً عن موعده.أن تضع الصناديق للناس متأخراً خير من ألا تضعها أبداً، وقد يكون التأخير أفضل من الاستعجال الذي وقعت ضحيته الكويت، فانتقل المجتمع فوراً من لغة المشيخة والعبيد والبحر والصيد ومهنه وتراتبيته وعقده، ومن ثم التثمين السريع، إلى لغة الانتخابات والسياسة والوعود والصراعات المستوردة، فلم يستطع التخلص من أمراض الماضي ولا مجاراة الحاضر ولا صنع المستقبل المأمول، كما أظنكم تلاحظون. صحيح أنها سبقت غيرها في مرحلة ما، لكنها طفرة لا يعول عليها، بينما الاستثمار القطري الساطع في جودة التعليم، خلال العقدين الماضيين، قد يكون بمثابة الفترة الانتقالية المناسبة، التي سيكون لها انعكاسها بالضرورة على طبيعة الممارسة والتمثيل الشعبي المنتظر.
ستبقى "الديموقراطية" في الخليج كالجمل في النرويج، غريبة وبطيئة وقبيحة، مهما حاولوا نفخ شفايفها، كما أنها تحتاج إلى مسافات طويلة لتعرف قيمتها، ومهما حاولنا تزيينها ومعايرة الآخرين بها فإننا نعلم أنها لا تعمل بالشكل المطلوب، والأمر لا يعدو كونه خداعاً للذات قبل أن يكون إفحاماً للغير، فصندوق الانتخابات من دون ثقافة ديموقراطية حقيقية لدى جميع الأطراف لا يختلف عن الصندوق الأسود للطائرة سوى في توقيت الفتح، فكلاهما يحمل أسراراً، لكن أحدهما يفتح بعد حدوث المصيبة والآخر هو مسببها، ولن يزيد وجوده خصوبة الأرض إلا لازدهار العصبيات والنعرات المذهبية والقبلية والفئوية، إنما قد تكون ميزة قطر أنها سبقتنا في هذا الاختبار، كونه حدث قبل التجربة الوليدة لا كوسيلة لوأدها، مما قد يؤهلها أكثر لتدارك أخطاء تجربتنا وانحرافاتها قبل فوات الأوان، لعلها تكبر وتستقر وتحقق ما تصبو إليه، بعد أن تنجو من المرض الكويتي المزمن.