قرار رفع الدعم اتُّخذ في لبنان... كان مطلوباً قبل أكثر من سنة، لكنه جاء متأخراً، واستمراره يعني تسريع وتيرة الانهيار إلى حدّ كبير، مما ينذر بعرقلة عمل كل المرافق وإعاقة عمل كل المؤسسات، وبارتطام كبير سيحاول الرئيس ميشال عون تأخيره، من خلال دعوته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى اجتماع في القصر الجمهوري والضغط عليه في سبيل التراجع عن قراره، أو بالحد الأدنى تخفيض نسبة احتساب سعر الدولار مقابل الليرة، بدلاً من احتسابه بسعر السوق. وطلبه استمرار تدخل المصرف المركزي لاحتساب نصف القيمة من شأنه أن يؤخر الانفجار، وهو نوع من سياسة تعويد الناس على الأزمات والوقائع القائمة.ويعتبر عون رفع الدعم مؤامرة مستمرة على عهده، هدفها تحقيق انفجار اجتماعي في وجهه، وعرقلة أي مسار لتشكيل الحكومة، خصوصاً أنه يصر على محاكمة سلامة ومحاسبته. في المقابل، تقول مصادر أخرى إن سلامة يلجأ إلى هذه القرارات لأنه لم يعد لديه أموال، وفي ظل تهديدات مستمرة بإصدار حكم قضائي بحقه، فأراد إيصال رسالة بأن استمرار تهديده سيؤدي لقرارات تؤثر سلباً على العهد.
وبحسب مصادر رسمية، فإن اتفاقاً كان حصل سابقاً بين عون وسلامة حول الاستمرار في الدعم إلى أواخر شهر سبتمبر المقبل، حتى إقرار البطاقة التموينية ورفعه تدريجياً. لكن خطوة سلامة ليل الأربعاء - الخميس برفع الدعم كلياً كانت مفاجئة، ولها تفسيرات عديدة؛ البعض يضعها في سياق محاولة تسهيل عملية تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، عبر منع اضطراره لاتخاذ مثل هذا القرار الذي سيؤدي إلى انفجار بوجهه، بينما يعتبر البعض الآخر أن سلامة اكتشف نوعاً من التوافق بين عون وميقاتي على تشكيل الحكومة وإطاحته أو محاكمته فلجأ لقلب الطاولة.بغض النظر عن هذه التفاصيل، أصبحت الأزمة أعمق بكثير من الحسابات السياسية، وأصبح رفع الدعم بحكم الأمر الواقع، بمعزل عن تثبيت توقيته حالياً أو تأجيله أو جعله مرحلياً وبشكل متقطع. في كلتا الحالتين، الترهل اللبناني مستمر، ويصعب توقع ما تؤول إليه الأوضاع، وسط غليان يشهده الشارع في مختلف المناطق رفضاً لرفع الدعم، خصوصاً أن كل العاملين في مختلف القطاعات لن يكونوا قادرين على الوصول لأعمالهم، بفعل الارتفاع الهائل في أسعار المحروقات.كل ذلك يجري في ظل إصرار عون على تحقيق ثلاثة عناوين من تشكيل الحكومة والتدقيق الجنائي ومحاسبة سلامة، وهنا لا يمكن فصل ذلك عن مطالبته بتغيير اسم يوسف خليل في وزارة المال، لأنه يعتبره موظفاً لدى سلامة، ولا عن مطالباته بوزارة الداخلية في ظل الإقبال على الانتخابات النيابية، وبوزارة الشؤون الاجتماعية، التي لها علاقة مباشرة بالمساعدات المالية الدولية وتوزيعها على الناس. وهو لن يتمكن من الحصول على الوزارات الثلاث بشكل كامل وصرف، فكان الخيار إيجاد تسوية مُرضية له في «الداخلية»، من خلال إبقائها مع الطائفة السنية وتسمية شخصية توافقية بينه وبين ميقاتي.
معركة عون مع رياض سلامة والقطاع المصرفي طويلة الأمد وبعيدة المدى؛ فالتركيبة القائمة متراصة ومعتّقة بنتيجة شبكة المصالح الهائلة، وهي التي يريد عون ضربها وتفكيكها، سواء من خلال اقتطاع حصة سابقاً، أو السيطرة عليها بشكل كامل حالياً، وتتويج ذلك بقرار إطاحة سلامة أو محاكمته، وهذا ما يسعى عون إلى تثبيته قبل نهاية عهده. ما يجري في لبنان له أثر عميق، ولو أدى لانهيار القطاع المصرفي وإفلاسه نهائياً وإعادة هيكلته، ويقود ذلك لتغريم الفئات الشعبية ثمن الانهيار الحاصل، بطرق متوحشة، بعد استنفاد الطرق للحدّ من استفحال الأزمة، وهو ما سيؤدي إلى رفع منسوب الفوضى في كل البيئات، بينما الردّ عليها سيكون بتصعيد اللهجة الطائفية والمذهبية والشعبوية.