رغم أن حوار رئيس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد، الأسبوع الماضي، مع خريجي جامعة الكويت المتفوقين كان جيداً من حيث الشكل، خصوصاً من ناحية تمكن رئيس الجهاز التنفيذي من مخاطبة الجمهور بطريقة ارتجالية ومحاورة الطلاب الجامعيين، وهو أمر - على بساطته - لطالما كان غير متاح مع وزراء حكومات سابقين أو حتى وزراء معنيين بالشأن التنموي، رغم ذلك فإنه من حيث المضمون أثار مجموعة من الأسئلة حول جدوى المشاريع وآليات التنفيذ ومدى اتساق كل منهما مع السياسات الحكومية المعتمدة.

Ad

مدينة الحرير

تطرق الحوار للعديد من القضايا ذات البعد الاقتصادي أو التنموي، أهمها مشروع مدينة الحرير الذي تعهد الخالد بتنفيذه، باعتباره حلم المغفور له الشيخ ناصر الصباح. ونحن هنا أمام نقطة جوهرية تتعلق ليس فقط بعدم وضوح بنود وتفاصيل المشروع، الذي أعيد للدراسة أكثر من مرة، بل أيضاً بكون مشروع الحرير، الذي وضعه الخالد كأولوية، لم يدرج أصلاً ضمن المتطلبات التشريعية في برنامج عمل الحكومة الحالية، وهو ما يشير إلى تناقض واضح ما بين سياسات الحكومة وتصريحات رئيسها، بما يقلل في النهاية من حجم التفاؤل بإنجاز المشروع.

الخاص أم العام؟

كذلك تضمن حديث رئيس الوزراء معاكسة للتوجه الحكومي بشأن فرص العمل للعمالة الوطنية، إذ تحدث عن مشاريع "حكومية" ضخمة كمدينة الحرير وميناء مبارك والوقود البيئي وغيرها ستوفر فرص عمل للشباب الكويتي، في حين أن خطة التنمية التي أقرتها الحكومة تستهدف رفع نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص، لتقليل العبء على القطاع العام، لاسيما في بند الأجور والرواتب، الذي يستهلك سنويا 51 في المئة من إجمالي مصروفات الميزانية، بما يصل إلى 12 مليار دينار.

جدوى المشاريع

ومع أن رئيس الوزراء تطرق لمجموعة من المشاريع الخاصة بالبنية التحتية، فإنه لم يبين - ولا حتى في الخطط الحكومية - الفائدة الإيجابية لهذه المشاريع في حل اختلالات الاقتصاد العميقة، كدورها في رفع نسبة الإيرادات غير النفطية من مجمل الإيرادات العامة، خصوصاً أن الحكومة أعلنت مطلع الاسبوع الماضي أكبر عجز فعلي في تاريخ الكويت، مع تدنٍّ عام في الايرادات النفطية وغير النفطية، أو أثر هذه المشاريع على رفع نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص أو مدى مساهمتها في معالجة التركيبة السكانية، فضلاً عن دور هذه المشاريع في تنمية دور ونسبة القطاع الخاص الإنتاجي الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي، وهذه كلها محددات أساسية للحكم على نجاح أي مشروع، خصوصاً مشاريع البنية التحتية، فلا قيمة لمشروع يزيد ضغط العمالة الوطنية على القطاع العامل أو يرفع اختلال التركيبة السكانية، أو يكون عائده محدوداً على إيرادات الدولة أو يكرس واقع العلاقة مع القطاع الخاص الحالي القائم على تنفيذ المناقصات وليس مشاريع الشراكة.

النتائج والتنفيذ

خلا حديث رئيس الوزراء من أي موعد للإنجاز والتنفيذ، فمعظم المشاريع التي تحدث عنها مثل الحرير وميناء مبارك والوقود البيئي يجري الحديث عنها منذ أكثر من 15 عاما، وتحديدا بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، ولقد تحدث العديد من رؤساء الوزراء السابقين مراراً وتكراراً عنها، فضلاً عن الخطط الحكومية المعتمدة والتصريحات الرسمية، لكن دون إنجاز، مما يعبر عن اختلال في آليات التنفيذ يُوجب على من يعد بتنفيذ أي مشروع أن يضمِّنه برنامجاً زمنياً واضحاً للإنجاز (فصلي - سنوي) موضَّحاً بالنسب والأرقام، كي تكون الصورة واضحة بين النجاح والفشل، لاسيما في ظل تعثر معظم المشاريع القائمة في البلاد، سواء كانت خدمية أو تنموية.

السحب والاستدانة

وعلى صعيد المالية العامة، فإن حديث رئيس الوزراء عن "أهمية وجود مرونة وآليات وأدوات للتعامل معها، كالدَّين العام أو السحب من الاحتياطي بشروط وضوابط معينة وصارمة" لا يعكس برنامجا واضحا يتسق مع محاذير استنزاف أصول الدولة، التي استنزف أصول احتياطيها العام، خلال 5 سنوات ماضية، وتتجه نحو استنزاف احتياطي الأجيال لتغطية العجز في الميزانية أو يقيها مخاطر الوقوع في فخ الاستدانة، لانه حسب حديث الرئيس "إصلاح الخلل الاقتصادي سيتم شيئاً فشيئاً، وسنبدأ به في البيت الحكومي"، وهذا يعني أن وتيرة الاصلاح الاقتصادي ستكون أبطأ بكثير من وتيرة الاستدانة عبر الدين العام أو استنزاف أصول احتياطي الاجيال، مما يرفع من مخاطر المستقبل، خصوصا أن الحكومة نفسها تتوقع أن تستمر عجوزات بقيمة تصل إلى 55 مليار دينار، إلى عام 2024 على الأقل.

مشروع دولة

ما تحتاج إليه الكويت اليوم هو مشروع دولة يخرجها من الحالة الاقتصادية المتعثرة، والتي باتت نتائجها تنعكس عجزا ملياريا، حتى في ظل ارتفاع أسعار النفط لمستويات متوسطة على الميزانية والحساب الختامي، ويقيها من مخاطر المستقبل كاستنزاف الاصول او التعثر عن سداد الديون، ويرتقي فيها الطموح أبعد بكثير عن هموم تدبير الموارد المالية لسداد الرواتب شهراً بشهر إلى مشاريع مستدامة تقدم قدرا معيناً من الحماية، مقابل الوضع الحالي شديد الحساسية، والانكشاف على تقلبات أسعار النفط... وهذا كله يحتاج إلى عقلية حكومية مختلفة قادرة بالحد الأدنى على تنفيذ برامجها.