العالم الغني وعار الاضطلاع بدور ناشر العدوى الفائق

نشر في 15-08-2021
آخر تحديث 15-08-2021 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت في نهاية أكتوبر يجتمع قادة مجموعة العشرين في روما، لمناقشة كيفية التعامل مع الجائحات في المستقبل، بين أمور أخرى، لكن الحقيقة هي أن تصرفات بلدان هؤلاء القادة هي إلى حد كبير التي صَـبَّـت الزيت على نيران الجائحة الحالية.

الواقع أن العديد من بلدان مجموعة العشرين كانت ناشرة فائقة لعدوى مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19)، فبعد انتقال فيروس كورونا إلى خارج حدود الصين، التي سعت في البداية إلى قمع أي إبلاغ عن الفاشية، انزلقت الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغنية إلى إخفاقات مبكرة أسهمت بشكل كبير في انتشار الفيروس إلى مختلف أنحاء العالم، ولو تحركت هذه البلدان بسرعة أكبر، فإنها كانت ستتمكن على الأقل من إبطاء انتقال المرض إلى البلدان الأكثر فقرا، الأمر الأكثر سوءاً هو أن فشلها في الالتزام بتطعيم العالم بأسره في أسرع وقت ممكن تسبب في خلق حلقة مفرغة من هزيمة الذات حيث من المرجح أن يُـطـلَـق العنان للمزيد من متحورات الفيروس القابلة للانتقال والأشد ضررا.

تُـظـهِـر النماذج الإحصائية أن السفر الجوي الدولي كان العامل الرئيس وراء انتشار مرض فيروس كورونا 2019 على نطاق عالمي حتى أوائل مارس من العام الفائت، وتوضح هذه الحقيقة ما تم نشره بالتفصيل عن انتشار المتحور ألفا (المعروف أيضا بمسمى متحور المملكة المتحدة أو متحور كِـنت) ووتيرة السفر الجوي إلى بلدان مختلفة من مطارات لندن في أكتوبر 2020، وكانت إسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا الأبرز في نشر المتحور ألفا.

تمكننا البيانات الواردة فيما نُشر من مراحل سابقة من الجائحة من رؤية الكيفية التي نشأت بها سلالات فيروسية مختلفة بمرور الوقت، فإذا وضعنا هذه المعلومات جنبا إلى جنب مع البيانات الواردة من أداة أكسفورد لتتبع استجابة الحكومات لجائحة كوفيد 19 بشأن السياسات الحكومية، يصبح بوسعنا تحديد تفاصيل انتشار المرض، فبين بلدان مجموعة العشرين، كانت إخفاقات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هي الأبرز.

كانت مدينة نيويورك واحدة من أولى المدن الفائقة في نشر العدوى، حيث سجلت أول حالة إصابة مؤكدة بعدوى كوفيد 19 في التاسع والعشرين من فبراير 2020، بعد نحو شهر من تقييد الولايات المتحدة السفر من أجزاء من الصين، ولكن حتى برغم أن جائحة كوفيد19 كانت مستعرة في إيطاليا، لم تفرض الولايات المتحدة القيود على الأشخاص القادمين من بر أوروبا الرئيسي إلا في الثالث عشر من مارس، بعد يومين من إعلان منظمة الصحة العالمية جائحة؛ ولم تطبق هذه القيود على القادمين من المملكة المتحدة وأيرلندا إلا في السادس عشر من مارس.

توضح بيانات التسلسل الفيروسي أن الفيروس لم ينتقل مباشرة من الصين إلى نيويورك، بل كان تردد الولايات المتحدة في فرض قيود صارمة على السفر من أوروبا مسؤولا إلى حد كبير عن دخول الفيروس عدة مرات، وهو ما أفضى إلى حصيلة الوفيات الضخمة في المدينة.

فضلا عن ذلك، استمر السفر بين الولايات داخل أميركا إلى حد كبير خلال عمليات الإغلاق، وتُـظهِـر بيانات أداة أكسفورد لتتبع استجابة الحكومات لجائحة كوفيد 19 أن 17 ولاية أميركية لم توقف السفر بين الولايات قَـط منذ اندلعت الجائحة، ويشير المزيج المماثل من السلالات الفيروسية منذ وقت مبكر من اندلاع الجائحة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة إلى أن عودة الفيروس إلى الظهور كانت شائعة حتى في أماكن تمكنت من القضاء على السلالة الأصلية، وقد خلصت أبحاث جمعت بين بيانات السفر الجوي وعلم الجينوم إلى أن انتشار كوفيد 19 داخل الولايات المتحدة كان راجعا إلى حالات دخول محلية لا نتيجة للسفر الجوي الدولي.

كانت المملكة المتحدة ناشرة فائقة أخرى للعدوى في ظل استجابة شديدة البطء للجائحة، في ضوء ما ينبئنا به علم الجينوم الآن حول أين ومتى كان الفيروس منتشرا، وفي هذا الصدد، قام اتحاد جينوم كوفيد 19 في المملكة المتحدة، وهو الأكبر من نوعه في العالم، بتحديد تسلسل أكثر من 26 ألف عزل فيروسي من أشخاص التقطوا عدوى كوفيد 19 أثناء الموجة الأولى في المملكة المتحدة، وقارن بين هذه التسلسلات وغيرها من بلدان أخرى.

هنا ينشأ استنتاجان رئيسيان:

الأول أن أوروبا كانت مصدر الإصابات الأولية في المملكة المتحدة، فحتى أواخر يونيو 2020، وصلت 80% من الفيروسات المستوردة خلال الشهر الذي امتد من السابع والعشرين من فبراير إلى الثلاثين من مارس، وكانت الغالبية الساحقة منها قادمة من أوروبا، فكان ثلثها قادما من إسبانيا، ونحو 29% منها قادمة من فرنسا، ونحو 12% من إيطاليا، ونحو 0.4% فقط من الصين.

الاستنتاج الثاني أن السفر المتجه إلى الداخل غذى وصول العديد من السلالات الجينية الجديدة إلى المملكة المتحدة، مع بلوغ معدل ظهور هذه السلالات بين السكان المصابين ذروته في أواخر مارس 2020، فعندما طبقت المملكة المتحدة أخيرا تدخلات غير صيدلانية جمعية- مما أفضى إلى ارتفاع مجموع نقاط المملكة المتحدة على مؤشر الـشِـدة التابع لأداة أكسفورد لتتبع استجابة الحكومات لجائحة كوفيد 19 من 17 من 100 إلى ما يقرب من 80 في غضون أسبوع واحد- بدأ تنوع العزلات الفيروسية ينخفض. بعبارة أخرى، نجحت التدخلات غير الصيدلانية في القضاء على العديد من هذه السلالات في المملكة المتحدة.

تُـلقي هذه الإخفاقات بظلال من الشك على إدارة الجائحة في بلدان مجموعة العشرين في عموم الأمر، فلو أوقفت الاقتصادات الكبيرة والمتقدمة على مستوى العالم الوافدين الجدد في وقت أسبق (وخصوصا المسافرين من أوروبا)، ولو قيدت السفر الداخلي، لكانت تمكنت من التقليل من الدمار الذي جلبته جائحة كوفيد 19 عليها.

الواقع أن تقييد تصدير العدوى كان سيؤدي إلى إبطاء أو ربما حتى منع انتشار المرض إلى البلدان الأكثر فقرا إلى حد كبير حتى يتم تطوير اللقاحات. وهذا بدوره، كان سيفضي إلى تمكيننا من تجنب عمليات الإغلاق المكلفة في أماكن لا طاقة لها بتحملها، لقد ركزت حكومات مجموعة العشرين على منع استيراد الفيروس، لا تصديره، والآن ونحن نسترجع الأحداث، يتبين لنا أن احتواء الفيروس كان في حكم الممكن لو اشترطت هذه الحكومات تكرار الاختبارات السلبية لأي شخص يستقل طائرة أو يخرج من الحجر الصحي.

بعــــــــــد أن تسببـــــت في تســــــــارع انتشــــــار كوفيد 19، تراوغ البلدان الأكثر ثراء الآن بشأن توفير اللقاحات لمن هم في أمس الحاجة إليها، الواقع أن البلدان الغنية كدست مخزونا احتياطيا من الجرعات، وأعطت الأولوية لتطعيم الأطفال رغم انخفاض المخاطر المترتبة على إصابتهم بعدوى كوفيد 19 نسبيا، حتى أنها تجهز الآن «جرعة معززة» ثالثة لا يوجد دليل حتى الآن على الحاجة إليها على نطاق واسع في الأمد القريب.

في الــــــوقـــــــــت ذاتــــــــــــه، تـعيــــــث جـــائــحـــــــــة كـوفيـــــــد 19 فسادا في البلدان النامية، حيث يموت العاملون الصحيون في الخطوط الأمامية لأنهم لا يستطيعون الحصول على اللقاحات. لقد قتلت الجائحة بالفعل عددا أكبر من الناس على مستوى العالم في عام 2021 مقارنة بعام 2020، ويُـعـرِب العديد من الخبراء عن مخاوف جسيمة بشأن المزيد من انتشار المتحور دلتا، فضلا عن متحورات أخرى قادمة، وخاصة في المناطق حيث يتقدم التطعيم ببطء.

يتعين على بلدان مجموعة العشرين أن تعمل على التعويض عن فشلها في التعامل مع جائحة كوفيد 19 وأن تلتزم بتطعيم أولئك الأكثر عُـرضة للخطر في مختلف أنحاء العالم، وباعتبارها دولا فائقة الترابط، يتعين عليها أيضا أن تعكف على وضع معايير دولية جديدة لمراقبة مسببات الأمراض وبروتوكولات السفر لضمان أنها لن تعمل عمل ناشر العدوى الفائق مرة أخرى أبدا.

* نايري وودز عميدة كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية في جامعة أكسفورد،

وآنا بيثريك مُـحاضِـرة قِـسم في السياسة العامة في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية في جامعة أكسفورد.

back to top