أحكمت حركة «طالبان» سيطرتها على المناطق المحيطة بالعاصمة الأفغانية وتزايدت المخاوف من احتمال سقوط كابول خلال أيام، خصوصاً أن مقاتلي الحركة باتوا على بعد 10 كيلومترات فقط منها، في وقت عاد مشاة البحرية الأميركية (المارينز) للإشراف على عمليات الإجلاء السريعة.

وأعلنت الحركة سقوط 8 ولايات جديدة خلال الساعات الماضية، ليرتفع بذلك عدد الولايات التي أصبحت تحت سيطرتها إلى 18، منها هيرات وقندهار وهلمند وبادغيس وغور وأُروزغان لوغار.

Ad

وأصبح الجزء الأكبر من شمال البلاد وغربها وجنوبها تحت سيطرة «طالبان»، فيما تبقى كابول ومزار الشريف، كبرى مدن الشمال، وجلال أباد في الشرق، المدن الكبرى الثلاث الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة.

وتسارعت وتيرة هجوم «طالبان» مع استيلائها على هيرات في الغرب قرب حدود إيران التي يقطنها 600 ألف نسمة، ثم بعد ساعات فقط على قندهار، معقل «طالبان» والمركز الاقتصادي الواقع في جنوب البلاد.

ومع سقوط ثاني وثالث أكبر مدن البلاد، أصبحت كابول فعلياً محاصرة، وباتت من دون كهرباء، بعدما قطع مسلّحيها التيار عن المدينة.

ونقلت وكالة «نوفوستي» الروسية عن مسؤول محلي تأكيده سقوط مدينة أسد آباد، مركز ولاية كونر شرق البلاد، والسجن الرئيسي هناك في قبضة «طالبان» التي سيطرت أمس، ايضاً على مدينة بل علم التي تبعد نحو 70 كيلومتراً عن كابول.

وأعلنت «طالبان» أن قواتها استكملت سيطرتها على ولاية بدخشان شمال شرقي البلاد، باستيلائها على مركز مديرية كران ومنجان.

في الوقت نفسه، استسلمت مجموعة القوات الحكومية التي كانت تتحصن في مطار قندهار جنوب البلاد إلى «طالبان»، وذلك بعد أيام من سقوط المدينة في قبضة المسلحين.

ونشرت الحركة لقطات تظهر لحظة خروج حاكم قندهار، روح الله خانزادة، من المطار وتسليم نفسه إلى المسلحين.

في المقابل، استسلم إسماعيل خان، أحد أشهر أمراء الحرب، للحركة بعد سقوط هيرات الخميس، بعدما كان الرجل القوي فيها بلا منازع على مدى عقود. ووعد مقاتلو «طالبان» بضمان سلامته.

مزار الشريف

وأعلنت «طالبان» أن مقاتليها اقتحموا مدينة شرنة، عاصمة ولاية بكتيكا، واستولوا على أسلحة ومعدات وسيطروا على السجن المركزي فيها وأطلقوا جميع المعتقلين، مشيرة إلى أن معارك ضارية تدور كذلك على تخوم مدينة مزار الشريف، عاصمة ولاية بَلْخ شمال البلاد، في مسعى للاستيلاء على المدينة الاستراتيجية، مؤكدة أنها تشن هجمات من الاتجاهات الأربعة على الأحزمة الدفاعية للمدينة، حيث أعلن نائب الرئيس الأفغاني السابق الجنرال عبدالرشيد دوستم، وزعيم «الجمعية الإسلامية» عطا محمد نور في مؤتمر صحافي، إنهما سيدافعان بقوة عن بلخ وبقية الولايات الشمالية، وأكدا أن «بلخ بمثابة البوابة الشمالية ولن نسمح لطالبان بدخول المدينة».

ويتمركز مقاتلو «طالبان» الآن على بعد 10 كيلومترات فقط عن كابول، ما جعل الولايات المتحدة ودولاً أخرى تهرع لإجلاء رعاياها جواً قبل هجوم يثير مخاوف كبيرة.

ورغم الجهود المحمومة لإجلاء الرعايا، تصر إدارة الرئيس جو بايدن على أن سيطرة «طالبان» على البلاد بأكملها ليست حتمية.

وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي، إن «كابول ليست حالياً في بيئة تهديد وشيك» لكنه أقر بأن مقاتلي طالبان «يحاولون عزل» المدينة.

من ناحية اخرى، قال كيربي إن بلاده لم تتوقع غياب المقاومة لدى القوات الأفغانية لوقف تقدم «طالبان».

وأعرب عن قلقه بشأن السرعة التي تتحرك بها «طالبان»، مشيرا إلى أن الظروف المتدهورة تشكل عاملاً رئيسياً وراء موافقة الرئيس بايدن على إرسال قوات إضافية.

«مارينز» بكابول

في هذا السياق، قال مسؤول أميركي، أمس، إن كتيبتين من مشاة البحرية (المارينز) وثالثة من سلاح المشاة، قوامها نحو 3 آلاف عسكري وصلوا إلى كابول للمساعدة في إجلاء موظفي السفارة ومدنيين آخرين من العاصمة. أضاف إن الجزء الأكبر من القوات التي ترعى عملية الإجلاء باتت جاهزة و»ستكون قادرة على نقل آلاف الأشخاص يومياً» من أفغانستان.

وأكد أنه «لن تكون هناك مشكلة في القدرة» على إجلاء الرعايا.

وقال المسؤول، أن فريق مشاة مقاتل سينتقل أيضاً من فورت براغ بولاية نورث كارولاينا إلى الكويت ليصبح قوة استجابة سريعة للأمن في كابول إذا لزم الأمر.

وحلقت مروحيات ذهاباً وإياباً بين مطار كابول والمجمع الدبلوماسي الأميركي الواسع في المنطقة الخضراء التي تخضع لإجراءات حماية مشددة، بعد 46 عاماً على إجلاء مروحيات الأميركيين من سايغون في نهاية حرب فيتنام.

ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مصادر أن البنتاغون بدأ وضع الخطط لسحب كامل البعثة الأميركية من أفغانستان.

وقالت المصادر إن القيادة الوسطى الأميركية تعتبر إخلاء السفارة في كابول أمراً حتمياً.

إتلاف وإخلاء

وتلقى موظفو بعض السفارات في كابول، بينها السفارة الأميركية أوامر بإتلاف أو إحراق المواد الحساسة قبيل إجلاء موظفيها.

وأخطرت السفارة الأميركية موظفيها «إعدام أي شيء عليه شعارات أو أعلام الولايات المتحدة، أو أي مواد قد تتم اساءة استخدامها في أعمال دعائية»، ما يؤكد أن إدارة الرئيس بايدن تستعد لاحتمال اجتياح السفارة من جانب «طالبان» رغم تطمينات عامة بأن المبنى سيظل مستمرا في عمله.

وفي الوقت نفسه، أعلنت دول أوروبية عدة خفض وجودها في البلاد إلى الحد الأدنى، لافتة إلى برامج لإجلاء أفراد من سفاراتها وموظفيها الأفغان، بينما فضّلت دول أخرى مثل النروج والدانمارك إغلاق سفاراتها موقتاً.

وأعلنت بريطانيا أنها سترسل 600 عسكري لمساعدة رعاياها على المغادرة، كما بدأ مظليون من فرقة قوات التدخل السريع، التي أعدها الجيش الألماني، استعداداتها لمهمة مشددة الحراسة لإجلاء أكثر من 100 مواطن ألماني وعمال محليين من أفغانستان.

رسائل طمأنة

وفي وقت أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني، أمس، في خطاب إلى الأمة أن «مشاورات» داخل الحكومة ومع الشركاء الدوليين، بدأت لإيجاد حل سياسي سريع يضمن «السلام والاستقرار» في أفغانستان، داعياً في الوقت نفسه إلى إعادة تعبئة القوات المسلحة، تعهدت «طالبان» بتوفير جو من الأمن والثقة للدبلوماسيين وموظفي السفارات والقنصليات والمؤسسات الأجنبية، كما أرسلت رسائل طمأنة لجيران أفغانستان بأنها لن تسبب لهم أي مشاكل.

وقالت الحركة، في بيان، إن سيطرتها على مناطق ومحافظات بأكملها دليل على شعبيتها وقبول الشعب الأفغاني بها.

وأكدت التزامها بحماية حياة وممتلكات المواطنين، داعية الناس إلى أن يعيشوا بشكل طبيعي لاسيما في الدوائر الرسمية.

كما أعلنت الحركة عفواً عاماً عن كل من تعاون مع من وصفتهم بالمحتلين أو من يقفون الآن في خط إدارة كابول، على حد وصف البيان.

في المقابل، أكدت وزارة الخارجية الأميركية إنها لا تثق في كل ما تقوله «طالبان» وإنما ستنظر في أفعالها.

دول الاستضافة

​في غضون ذلك، قال مسؤولون أميركيون إن إدارة الرئيس جو بايدن تجري محادثات سرية مع دول عدة لاستضافة أفغان بشكل موقت.

ويقدر البعض العدد الإجمالي للأشخاص المؤهلين للإجلاء، في إطار برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة، بما يتراوح بين 50 ألفاً و80 ألفاً عندما يتم تضمين أفراد الأسرة.

ونقلت «رويترز» عن 4 مسؤولين أميركيين، إن المحادثات تجري مع كوسوفو وألبانيا، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة عرضت امتيازات اقتصادية وسياسية على كوسوفو لاستقبال عدة آلاف من الأفغان.

وكانت إدارة بايدن تستكشف إقناع كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان باستقبال آلاف المتقدمين لكن هذه الجهود لم تحرز تقدما يُذكر.

وفي وقت أعلن وزير الهجرة الكندي ماركو مينديسينو، نية بلاده استقبال نحو 20 ألف لاجئ أفغاني، تعهدت فرنسا ببذل «جهد استثنائي» في سبيل استضافة شخصيات أفغانية مهددة لالتزامها الدفاع عن حقوق الإنسان.

كما أعلنت الدنمارك وفنلندا وإسبانيا عزمها استضافة الأفغان الذين عملوا مع بعثاتها في كابول.

قطر والخطة

من ناحيته، قال ناطق باسم الخارجية الأميركية لـCNN طالباً عدم كشف هويته، أن إدارة بايدن تعمل على التوصل لاتفاق مع قطر من أجل استضافة آلاف الأفغان، مشيراً إلى أن العدد المحتمل لهؤلاء سيكون 8 آلاف، لكنه لفت إلى أن الاتفاق لم يتم بعد.

وأكد المصدر نفسه، أنه بعد التوصل إلى اتفاق فإن مجموعة أولية مكونة من نحو ألفي أفغاني من المتوقع أن تصل إلى الدوحة قريباً. وتأتي هذه التطورات بعد يوم من اختتام اجتماعات دولية استمرت ثلاثة أيام في العاصمة القطرية الدوحة من دون إحراز أي تقدم ملموس.

وقالت الولايات المتحدة وباكستان والاتحاد الأوروبي والصين، في بيان مشترك، إنها لن تعترف بأي حكومة في أفغانستان «مفروضة بالقوة».

من ناحيته، قال المبعوث الأميركي الخاص للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاده، إنه تقدم بعد التشاور مع دول المنطقة والعالم، بخطة من 9 بنود لوقف النار في أفغانستان. وقالت المصادر إن القيادة الوسطى الأميركية تعتبر إخلاء السفارة في كابول أمراً حتمياً.

الترسانة الأميركية غنائم حرب

أنفقت الولايات المتحدة خلال 20 عاماً مئات مليارات الدولارات لتدريب الجيش الأفغاني وتجهيزه، لكن ذلك لم يمنع القوات الأفغانية من الانهيار أمام هجوم «طالبان»، التي باتت تملك ترسانة هائلة غنمتها من العدو. فقد ألقى آلاف عناصر قوات الأمن الأفغانية أسلحتهم، أحياناً من دون أدنى مقاومة. وسارع المتمردون من جانبهم إلى وضع يدهم على هذه «الأدوات».

تنتشر بشكل واسع على مواقع موالية لـ«طالبان» مقاطع فيديو تُظهر مقاتلين من الحركة يصادرون شحنة أسلحة هنا أو هناك، ومعظمها مقدَّم من قوى غربية.

في صور أخرى لجنود يستسلمون أمام مقاتلي «طالبان» في مدينة قندوز شمال شرقي البلاد، تظهر آليات مصفحة ومجهزة بقاذفات صواريخ بين أيدي المتمردين.

بمدينة فرح الغربية، يسيّر مقاتلون دوريات في الشوارع على متن آلية رُسم عليها نسر يهاجم أفعى، وهي الشارة الرسمية لأجهزة الاستخبارات الأفغانية.