لبنان محاصر بنار الأزمات. يصعب توقع المستقبل الأسود المقبل. تتشعب المعارك السياسية وتأخذ بعداً معيشياً واجتماعياً وسياسياً ودستورياً. رئيس الجمهورية ميشال عون يفتح النار في وجه الجميع. خصومه أيضاً يريدون تطويقه ومحاصرته. معركة مفتوحة يدفع اللبنانيون ثمنها. أراد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قلب الطاولة في وجه عون الذي يريد محاكمته وإقالته، فلجأ إلى أكثر خطوة من شأنها أن تخيف رئيس الجمهورية وتهدد ما تبقى من عهده، إذ قرر رفع الدعم عن المحروقات.

بداية، ينبغي الإشارة إلى أن قرار رفع الدعم لابد منه، وعون يعلم ذلك، ولكنه كان قد فرض على حاكم مصرف لبنان الاستمرار في توفيره حتى نهاية سبتمبر، لكن سلامة اختصر الطريق وقرر الولوج لاتخاذ خطوة أحدثت شغباً سياسياً وفي عموم المناطق انعكست توتراً في الشارع، وفوضى سياسية ودستورية.

Ad

ولا بد من العودة إلى ما كانت «الجريدة» كشفته قبل أسبوعين وتحديداً بعيد تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، حول اشتراط عون إقالة حاكم مصرف لبنان لتسهيل عملية التشكيل. وتكشف معلومات خاصة بـ «الجريدة»، أن عون لا يزال مصمماً على هذه الخطوة، وعندما تبلغ من سلامة بقرار رفع الدعم فضّل الصمت وعدم التعليق، لتكون هذه الخطوة مبرراً لاتخاذ قرار إقالة الأخير، وتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً أن خطوة رفع الدعم قد تزيل الكثير من الأعباء عن الحكومة الجديدة.

ولكن بعد ساعات من قرار رفع الدعم، تأكد عون أن خطته لن تنجح، ولم يلمس جدية لدى ميقاتي بإقالة سلامة الذي يحظى برعاية داخلية ودولية، وهنا قرر التصعيد، ووجّه دعوة لعقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال في خطوة غير دستورية، وكان سيطرح عليها مسألة إلزام سلامة بالتراجع عن قراره ومحاسبته أو إقالته، لكن رئيس تلك الحكومة حسان دياب رفض، فدخل لبنان في صراع سياسي دستوري ينذر بما هو أخطر.

وتؤكد مصادر قريبة من رئيس الجمهورية أنه يتعرض لمؤامرة كبرى من الداخل والخارج، مشيرة إلى أنه لن يتنازل أو يتراجع، بل سيبقى مصمماً على موقفه في مواجهة الجميع.

في المقابل، يعمل خصوم عون على مواجهته أيضاً ورفض تقديم تنازلات له ولا تسليمه ما يريد في تشكيل الحكومة، بعد فشله في عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، في وقت يستعد عون للمزيد من الخطوات التصعيدية ضد سلامة والآخرين، وهو يضع شرطاً أساسياً للتشكيل قوامه الحصول على ضمانات لإقالة سلامة في أول جلسة حكومية، والحصول على ضمانة لذلك من ميقاتي، الذي لا يبدو قادراً على إعطاء هذا التعهد، إذ يجد نفسه محرجاً بين شروط وأخرى مضادة.

مصادر رؤساء الحكومة السابقين تصف خطوة عون بالدعوة إلى جلسة لحكومة تصريف الأعمال بأنها مؤشر سلبي وتأكيد على أنه لا يريد تشكيل الحكومة، فلو أرادها لما اتخذ تلك الخطوة.

ويقترب لبنان أكثر من الارتطام الكبير، بينما يحاول عون تأجيل ذلك كي لا يكون عهده كله عهد الانهيار، ولا يزال يمارس الضغوط السياسية والقضائية على سلامة لدفعه للتراجع عن رفع الدعم، في وقت تؤكد مصادر متابعة أن التفاوض مع سلامة يحصل في سبيل تخفيض نسبة رفع الدعم، من احتساب سعر الدولار على سعر صرف 20 ألف ليرة لبنان، إلى 10 آلاف، على أن تكون عملية رفع الدعم متدرجة من الآن حتى الشهر المقبل، وهذا كله لا يعني حلّ الأزمة إنما تأجيلها وتأجيل الانفجار. وبلا شك أن هذه الوقائع كلها ترخي بظلالها على مسار تشكيل الحكومة، والذي يتعقد أكثر بخلاف كل الأجواء الإيجابية التي يسعى البعض إلى بثها.

منير الربيع