ما قضية العرب الأولى اليوم؟ أجاب بنبرة لا تخلو من الغضب: «إيران وبرنامجها النووي وصواريخها البالستية»، وماذا بشأن إسرائيل والتطبيع؟ رد على السؤال: «إسرائيل لا تشكل تهديداً على الخليج ولا على غيره، تريد السلام والعيش المشترك مع الفلسطينيين». طيب، وكيف حال لبنان والصورة المخيفة التي يطل بها علينا صباح كل يوم؟ عاد لرفع يديه منزعجاً ونفث جملته بنبرة حادة «دعوه وشأنه إلى أن يفك ساكن القصر وصاحب الرقم 13 المشؤوم تحالفه مع حزب الله وإيران».
على هذه الحال، كيف ترى الحرب في اليمن، أليس لها من نهاية؟ «سيبقى الصراع قائماً والضرب من الأعلى على الرؤوس إلى أن يستسلم الحوثيون ومن يدعمهم ويعود السلام إلى ربوع هذا البلد». وهل ترى أن الوضع في ليبيا قابل للحل في ظل الصراعات الدولية على أراضيه؟ لم يفكر بالسؤال بل كان الرد سريعاً: «ليبيا لم تعد موجودة على خريطة الوطن العربي وليس فيها ما يستدعي التدخل».لعلك تتابع الوضع المأساوي في سورية والبلد في حال تمزق واستنزاف مستمرين منذ عشر سنوات، أليس هناك من مخرج؟ تنهد قليلاً وراح يلتفت يمنة ويسرة ثم يرفع رأسه للأعلى موجهاً إصبعه نحو محدثه ومن معه: «لقد أسقطنا سورية من حساباتنا إلى أن يسقط حكم العلويين وبشار الأسد ولو بعد حين».إذا كانت الحال كذلك أليس من بارقة أمل في عودة الصومال معافى إلى الحضن العربي؟ هنا شعر بأهمية السؤال وقال: «علينا ألا نترك هذا البلد فريسة لحركة الشباب المجاهدين والتناحر بين قبائله وميليشياته، فنحن نعوّل على دوره بإعادة التضامن العربي ونهوض اقتصاده الزراعي وثروته الحيوانية التي ستؤمن الاكتفاء الذاتي للمنطقة من الغذاء». إذاً، ماذا تبقى أمامنا في دنيا العروبة؟ أليس لتونس والمغرب العربي من مكانة وقوة بشرية واقتصادية تعوض لدينا ما فقدناه؟ يا أخي، ألا تتعب من التفكير بحال العرب وما وصلوا إليه؟ «كيف لي أن أتعب ونحن أمة واحدة ومصيرنا واحد تعلمنا إذا اشتكى عضو من الألم تداعت له سائر الأعضاء، تربينا وتعلمنا أن بلاد العرب أوطاني من الشام لتطوان، صحيح أنا لا أنفي عنك ذلك أو ننزع هويتك العروبية فنحن في النهاية نبحر في مركب واحد، لكن ألم يصبح السودان من الدول ذات الوزن الثقيل هي وجارتها العزيزة مصر؟ همَّ بالوقوف للاعتراض على السؤال وراح يجمع قواه تمهيداً للانسحاب من جلسة الاعترافات التي لا تخرج إلى العلن، فما يتم الحديث فيه بالسر وخلف الأبواب المغلقة يبقى البوح به من المحرمات في ثقافتنا الدارجة... «نعم السودان مهيأ لقيادة العالم العربي في القرن القادم وكل ما يحتاجه كمية من مليارات الدولارات تساعده في تنفيذ برامجه في السنوات العشر القادمة». نسيت أن أسألك عن الدولة رقم 21 أو 23 من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وهي جيبوتي، ألا تعتقد أنها تملك خبرات بتأجير أراضيها لبناء قواعد عسكرية من الشرق والغرب وبالتالي توظيفها لصالح الوطن العربي ومصالحه الاقتصادية؟لا لم أنس جيبوتي، فهي دولة فتية تعمل بصمت ولا تحب الجعجعة، والرهان عليها سينعكس علينا بالفائدة والاستقرار والأمان، وربما نشهد حالة من «الزحف البطيء» خلف خليج عدن، وعلى أطراف البحر الأحمر لخلق حالة مشابهة في ديارنا تنعم بها. تملكني شعور مخيف باليأس وأنا أكتب هذا المقال لم أستطع الإفلات من الأجواء التي أحاطت بي، وجدت نفسي فجأة أجري حواراً «عبر الأثير»، عفواً، أخاطب فيه حالي مع أشخاص لديهم تلك التوجهات تعج بهم أوطاننا. بتنا تائهين ناقمين على ما حولنا بعدما فقدنا الأمل في مشروع وطني أو إقليمي أو تنموي يعيد الأمل والنهوض لهذه البلدان وللأمة والبشر الذين ينتمون إليها ويعيشون على أرضها.
مقالات
حوار في الممنوعات
16-08-2021