لم يكن ينقص لبنان الذي تعصف به أزمة اقتصادية وسياسية مستفحلة لم يشهد لها مثيلاً في تاريخ الجمهورية الحديث، المزيد من النار، إذ قُتل 28 شخصاً وأصيب نحو 80 آخرين بجروح جراء انفجار خزان وقود في بلدة التليل في عكار بشمال لبنان، مساء أمس الأول، أثناء تجمع العشرات حوله للحصول على القليل من البنزين في بلد يشهد أزمة محروقات حادة.

وأدت الكارثة الجديدة، التي حلّت على بلد يعاني منذ عامين من انهيار اقتصادي متسارع، إلى اشتداد الضغط على المستشفيات المرهقة أساساً، فيما تستمر عمليات البحث عن مفقودين.

Ad

وحثت إدارات المستشفيات في شمال البلاد المواطنين على التبرع بالدم بجميع أنواعه، وطالب وزير الصحة حمد حسن، مستشفيات العاصمة بيروت باستقبال مصابي الانفجار. وتعهد بأن تدفع الحكومة تكاليف العلاج بالكامل في ظل نقص المستلزمات الطبية الخاصة بمعالجة الحروق بمستشفيات عكار.

وفي وقت لم تعرف ملابسات الحادث على وجه الدقة، أعلن مسؤول عسكري، أن الانفجار وقع بعد أن صادر الجيش مستودعاً في تليل كان يخزن فيه نحو 60 ألف لتر من البنزين، وأصدرت أوامر بتوزيع الوقود على سكان المنطقة.

وبعد تجمع العشرات من أهالي بلدة تليل، التي تبعد حوالي 4 كيلومترات عن الحدود السورية، لتسلم الوقود المصادر حدث الانفجار الذي لم يعرف سببه.

ولم يتضح ما إذا كان الوقود الموجود في الناقلة معداً للتخزين بهدف الاستخدام قبل قرار رفع الأسعار الذي اتخذ أخيراً أم أنه معد للتهريب إلى سورية، حيث يباع بأسعار أعلى بكثير مقارنة بتلك الموجودة في لبنان.

وتبادلت عناصر في "التيار الوطني الحر"، التيار العوني، الاتهامات مع أنصار حزب "القوات اللبنانية"، بزعامة سمير جعجع، حول ارتباطهما بالتاجر الذي صادر الجيش منه الصهريج، غداة إلغاء حاكم المصرف المركزي رياض سلامة دعم المحروقات رغم معارضة قوى عدة للخطوة التي عقدت أزمة الوقود في البلاد. وعلق رئيس حزب "التيار الوطني" النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، على عبارة: "أنا رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المركزي، ولكن جبران باسيل حاكم البلد"، التي قالها سلامة في مقابلة إذاعية، بالقول: "لو صحيح أنا حاكم لبنان، ما كنت تركتك من زمان".

عون والحريري

في هذه الأثناء، أمر الرئيس عون، الذي تلقّى برقية تعزية من نظيره الروسي فلاديمير بوتين وبحث مع مصر وتركيا نقل الحالات الخطرة للعلاج فيهما، بفتح تحقيق في ملابسات الحادث.

واعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن ما حصل "مأساة إنسانية تسبب بها الفساد".

وأعلنت رئاسة مجلس الوزراء الحداد الرسمي غداً على أرواح ضحايا تليل.

في المقابل، كتب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري على "تويتر"، أمس: "مجزرة عكار لا تختلف عن مجزرة المرفأ"، في إشارة إلى انفجار مرفأ بيروت الذي قتل فيه أكثر من 200 شخص يوم 4 أغسطس 2020.

وأضاف: "ما حصل في الجريمتين لو كان هناك دولة تحترم الإنسان لاستقال مسؤولوها، بدءاً برئيس الجمهورية إلى آخر مسؤول عن هذا الإهمال. طفح الكيل. حياة اللبنانيين وأمنهم أولوية الأولويات". وفي تعليق منفصل، انتقد الحريري، تصريحات الرئيس اللبناني الأخيرة، مطالباً إياه بـ"الرحيل".

وعبر سلسلة تغريدات، قال الحريري: "من المريب أن تتقاطع مواقف رئيس الجمهورية مرة جديدة مع مواقف رئيس التيار الوطني الحر، وأن نسمع منهما كلاماً منسوخاً يتناول عكار والشمال بالتهم الباطلة".

وأضاف متسائلاً: "كيف يجيز رئيس الجمهورية لنفسه، أن يقفز فوق أوجاع الناس في عكار، ليتحدث في اجتماع مجلس الدفاع عن أنشطة جماعات متشددة لخلق نوع من الفوضى والفلتان الأمني في الشمال؟".

واستطرد الحريري:"لا يا فخامة الرئيس... عكار ليست قندهار، وليست خارج الدولة. فخامتك أصبحت خارج الدولة ورئيساً لجمهورية التيار العوني، وعكار مظلومة منك ومن عهدك، والنار اشتعلت بقلبها قبل أن تشتعل بخزانات التهريب.لا يا فخامة الرئيس، من يتسبب بالفوضى والفلتان هو المسؤول عن إدارة شؤون الحكم، وعن الانهيارات التي لم تتوقف منذ سنتين".

جعجع و«حزب الله»

وبعد دعوة الحريري، دعا رئيس حزب "القوات اللبنانية" الرئيس عون إلى الاستقالة. وسأل جعجع: "ألا تستاهل كل هذه الضحايا وعذابات اللبنانيين، جميع اللبنانيين على الإطلاق، استقالة رئيس الجمهورية؟ ألم يرفّ جفن الأكثرية النيابية بعد رغم كل هذه المآسي لكي تستقيل ويذهب الناس فوراً للتعبير عن آرائهم وإعادة تكوين السلطة بعد كل ما جرى ويجري في البلاد؟".

ولفت إلى أن "استمرار مكوث رئيس الجمهورية والأكثرية النيابية في مراكزهم بعد كل الذي حصل يعدّ إمعاناً في قتل الشعب اللبناني وسوقه إلى معتقلات التعذيب اليومي في أساليب حديثة مستحدثة من رغيف الخبز، إلى حبة الدواء ونقطة البنزين وقطرة المازوت وسرير المستشفى ونقطة المصل، وليس انتهاءً بذرة الكهرباء".

من جهته، أعرب "حزب الله" عن أمله بأن تشكل المأساة الوطنية دافعاً قوياً لتسريع تشكيل حكومة تكون المدخل لإخراج اللبنانيين من الأزمات الخطيرة التي تعصف بهم. وشدد الحزب على ضرورة تكاتف اللبنانيين وتضامنهم وتلاحمهم لعبور المحنة التي تمر بها البلاد.

انتقام وتدخل

ووسط حالة من الغضب والغليان تجمّع عدد من أبناء عكار في موقع الانفجار، ورشقوا عناصر الجيش بالحجارة، وعمدوا إلى إحراق شاحنة يملكها صاحب المستودع الذي شهد الفاجعة، وأضرموا النار في منزله.

ولاحقاً، كلف «المجلس الأعلى للدفاع» الأجهزة العسكرية والأمنية بضبط الوضع في منطقة عكار لتفادي أي فلتان أمني، وأبلغ وزارة الصحة أن تأخذ على عاتقها معالجة المصابين وبالتواصل مع الجهات المهتمة لإخلاء الحالات المستعصية إلى خارج البلاد».