تسارعت الأحداث في أفغانستان، أمس، لتدخل حركة طالبان العاصمة كابول، مما يعني أن البلاد برمتها عادت إلى قبضتها، وذلك قبل حلول موعد الانسحاب الأميركي نهاية الشهر الجاري، وقبل أقل بقليل من شهرٍ على موعد 11 سبتمبر الرمزي.

ورغم كل ما بذلته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتجنب المقارنة بين نهاية أطول حرب أميركية والهزيمة الثقيلة في فيتنام قبل 48 عاماً، كانت الأوضاع في كابول أمس تشبه إلى حد بعيد المشاهد في سايغون في عام 1975.

Ad

وفي ساعات قليلة وبعد سلسلة أحداث دراماتيكية، انهارت السلطة الأفغانية بشقيها السياسي والأمني، وغادر قسم كبير من المسؤولين، بينهم الرئيس الأفغاني أشرف غني، في وقت شوهدت بزات الجيش الأفغاني مكومة في طرقات كابول بعد تفكيك كل نقاط التفتيش الأمنية.

وأقفلت كل الطرق البرية أمام المسؤولين الأفغان، ولم يبق سوى السماء التي ظلت مفتوحة للمغادرين، ومنهم الرئيس غني ومئات الموظفين والدبلوماسيين الأميركيين.

وبعدما قالت في بداية النهار إن مقاتليها سينتظرون على مداخل العاصمة إلى حين التوصل إلى اتفاق لتسلم السلطة، عادت «طالبان» لتعلن أنهم أجبروا على الانتشار في المدينة لحمايتها من الفوضى والنهب بعدما ترك عناصر الأمن مواقعهم وعادوا إلى منازلهم، مشددة على أنها تريد نقلاً كاملاً للسلطة وليس عبر مرحلة انتقالية.

ومن الدوحة مباشرة وصل وفد من قيادة «طالبان» إلى القصر الرئاسي الأفغاني، بينما سعى متحدث باسم الحركة إلى بعث رسائل طمأنة في كل الاتجاهات، إذ تعهد بأنها تسعى إلى حكومة وحدة وطنية تضم الجميع، وستسمح للمرأة بالخروج دون محرم، وبالتعلم والدراسة، لكنها ستفرض عليها الحجاب الإلزامي.

ولاحقاً، طمأن عضو وفد الحركة سهيل شاهين بأن «ممتلكات الأشخاص وحياتهم آمنة، ولن يكون هناك انتقام من أحد» في العاصمة، مؤكداً أن الأوامر صدرت بانتظار «نقل سلمي للسلطة».

وفي أول ظهور لملامح الوضع الجديد بعد سقوط حكومة غني، الذي توالت الاتهامات بحقه، رجحت مصادر مطلعة، تعيين وزير الداخلية السابق علي أحمد جلالي، الأكاديمي المقيم في الولايات المتحدة، رئيساً لحكومة مؤقتة.

وبينما قال رئيس المجلس الأعلى للمصالحة عبدالله عبدالله إن «الرئيس السابق فرّ من البلاد وورّطها وورط الشعب في هذه الحالة»، اتهم القائم بأعمال وزير الدفاع بسم الله خان محمدي الرئيس غني بأنه «قيد أيدينا وراء ظهورنا، وباع الوطن وغادر»، مشيراً إلى أنه نقل جزءاً من صلاحياته إلى وفد يتوقع أنه غادر للتفاوض مع «طالبان» في الدوحة.

ومع تقدم «طالبان» إلى مطار كابول وسيطرتها على القصر الرئاسي، أعلن الرئيس السابق حامد كرزاي أنه بعد مغادرة الرئيس والمسؤولين ومنعاً لحدوث فوضى شكلت لجنة لنقل السلطة سلمياً، موضحاً أنها تضم، إلى جانبه، كلاً من عبدالله عبدالله وزعيم الحزب الإسلامي السابق قلب الدين حكمتيار.

وتتوّج هذه التطورات نجاحات خاطفة حققتها الحركة، التي أطاحتها الولايات المتحدة من الحكم قبل 20 عاماً، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. وإزاء تقهقر الجيش الأفغاني، أعلن بايدن رفع عدد القوات المشاركة في إجلاء طاقم السفارة ومدنيين أفغان إلى 5 آلاف عنصر، محذّراً الحركة من عرقلة هذه المهمة، ومتوعداً بـ «رد عسكري أميركي سريع وقوي» إذا هاجمت مصالح أميركية.

وفي تصريح يتناقض مع تأكيدات إدارته على مدى أسابيع، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن «القوات الأفغانية لم تكن قادرة على الدفاع عن أفغانستان»، مضيفاً: «لم نتوقع سرعة تراجع قدرة هذه القوات».

وإذ رفض تشبيه الوضع الراهن في كابول بسقوط سايغون، شدد بلينكن على أن الولايات المتحدة «حققت أهدافها، والبقاء في أفغانستان لا يخدم مصالحها»، مشيراً إلى أن «أربع إدارات استثمرت مليارات الدولارات في القوات الحكومية الأفغانية، مما منحها مزايا على طالبان، لكنها فشلت في صد تقدمها وانهارت بسرعة أكبر مما توقعنا».

وأوضح أن واشنطن أبلغت «طالبان» أنه سيكون هناك «رد سريع وحاسم»، إذا واجهت العسكريين الأميركيين، إلا أنه شدّد على أنه «يمكن العمل مع أي حكومة أفغانية تحترم حقوق الجميع بما فيها النساء والأقليات، ولا تمنح أراضيها ملجأ للإرهابيين».

وفي حين حمل السفير الأميركي آخر علم واتجه إلى مطار كابول، الذي تقدمت إليها بالفعل «طالبان»، نقلت بريطانيا سفيرها وجميع موظفيها ورعاياها إلى الخارج، في مهمة نفذها نحو 600 جندي.

وبينما أجلت إيطاليا دبلوماسييها ورعاياها والمتعاونين معها من الأفغان بشكل عاجل، عبر جسر جوي، أعلن وزير الخارجية الألماني عن نقل الدبلوماسيين إلى مطار كابول قبل إجلائهم المقرر اليوم.

وقالت وزارة الخارجية الهولندية إن العاملين في سفارتها في كابول تم إجلاؤهم، ويعملون من موقع قرب المطار، بمن فيهم جميع المترجمين الفوريين، في حين أعلنت الرئاسة الفرنسية أنها «تبذل حالياً كل ما في وسعها لضمان أمن رعاياها» بأفغانستان.

وأغلقت كندا سفارتها وأجلت الموظفين، على عكس موسكو التي أعلنت أنها لا تعتزم إخلاء سفارتها، مشيرة إلى أنها «على تواصل مباشر» مع سفيرها، وأن المتعاونين معه يواصلون العمل «بهدوء».

ترامب: علم «طالبان» فوق سفارتنا عار

رد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على بيان خلفه جو بايدن حول الأوضاع، قائلاً: «خرجتَ مسرعاً من أفغانستان، بدلاً من اتباع خطتي، ويا له من عار، عندما ترفع طالبان علمها فوق سفارتنا في كابول»، مضيفاً: «هذا فشل كامل، بسبب الضعف وعدم الكفاءة، وعدم الترابط الاستراتيجي الكامل».

وفي أبريل الماضي، قال ترامب إن قرار بايدن بسحب القوات «رائع وإيجابي»، لكنه انتقد الجدول الزمني، مؤكداً أن عليه «الخروج مبكراً».

وأمس الأول، قال بايدن: «ورثت صفقة أبرمها سلفي، ودعا طالبان للنقاش في كامب ديفيد عشية 11 سبتمبر 2019، ليضعها في أقوى وضع عسكري لها منذ 2001».

«بلاك هوك» غنائم حرب

نشر متمردو «طالبان» مقاطع فيديو تظهر استيلاءهم على مروحيات أميركية من طراز «بلاك هوك» تابعة للجيش الأفغاني في مطار قندهار، التي بقيت حتى أمس القريب إحدى أبرز قواعد واشنطن.

وسارع المتمردون إلى إظهار غنائم الحرب في المدينة الجنوبية التي تعد مهد حركتهم، والموطن الأصلي لإثنية البشتون، وباتت إحدى أكبر جوائز حملتهم العسكرية التي أوصلتهم إلى كابول.

جنود هرات يطلبون العفو

احتشد آلاف الجنود الأفغان في مكتب الحاكم بمدينة هرات بحثاً عن متمرّدي «طالبان»، لا لمحاربتهم بل لطلب العفو.

وسقطت ثالث أكبر المدن الأفغانية من دون قتال الخميس الماضي مع انسحاب القوات الحكومية واحتجاز المتمردين لزعيم الحرب الشهير في هرات إسماعيل خان.

ومع تزايد المخاوف من أعمال انتقامية عنيفة مع اقتراب «طالبان» من السيطرة الكاملة، تجمع جنود أفغان في هرات معظمهم يرتدون ملابس مدنية، في محاولة للحصول على مذكرة عفو.