النار التي التهمت أجساد الأبرياء في عكار تهدد ما تبقى من حياة في لبنان، بينما كل القرى والمناطق معرّضة لمخاطر مشابهة؛ فمنذ دخول الأزمة الاقتصادية طور الانهيار، تحولت أغلبية اللبنانيين إلى تجار في السوق السوداء، والأغلبية وسعي الآخرون لتخزين ما يتوافر من المواد، خوفاً من فقدانها أو الارتفاع الجنوني في أسعارها، وتلك هي النتيجة الطبيعية لحالة غياب الدولة ومؤسساتها.

الانفجار الذي وقع في عكار قابل لأن يؤدي لانفجارات أخرى متتالية اجتماعية، في أكثر من منطقة، على وقع غياب الحلول وتضارب مصالح القوى السياسية.

Ad

دخل لبنان في أتون النار، وبدأت ملامح الانهيار والارتطام تظهر بشكل كبير، وقد تكون حركته متسارعة جداً بشكل لا يكون فيه أي طرف أو مؤسسة قادرة على لجمه أو منعه من الحدوث. يحصل كل ذلك على مرأى من العالم أجمع، وعلى وقع الصراعات السياسية التفصيلية بين القوى المختلفة على تشكيل الحكومة وتوزيع الحصص فيها. كاد الانفجار الاجتماعي يسبق انفجار خزان مادة المازوت، لكن حركة الجيش على الأرض، وتوفير الغطاء السياسي له لمصادرة الكميات المخزنة بالمحطات، وإلزام أصحابها ببيعها قبل رفع الدعم نهائياً، سحبا فتيل التفجير. لكن وراء الخطوة مؤشراً أخطر، إذ تتزايد فيه كل مقومات الخارج في التعويل على الجيش ودوره لسحب فتائل الأزمات.

دولياً، لا يزال الجيش المؤسسة الوحيدة التي تحظى بالثقة، وستناط بها مسؤوليات أكبر من حفظ الأمن، لتضطلع بأدوار متعددة تتعلق بالمساعدات والإشراف على توزيعها، وما انطبق على المحروقات سينسحب على مجالات أخرى كثيرة، كمراقبة توزيع المواد الغذائية والطبية وتخزينها، وصولاً إلى مراقبة آلية توزيع الكهرباء. سيؤدي ذلك إلى تحقيق التفاف أكبر من جانب اللبنانيين حول الجيش، وسيتوسع دوره بشكل أكبر، ما قد يدفع إلى رفع شعار «الجيش هو الحل». ولكن، لابد من الإشارة إلى عدم قدرته على التحرك بلا غطاء سياسي يوفره توافق القوى المتعارضة، لدفعه إلى سحب فتائل الأزمات.

وعلى وقع انفجار عكار، استمرت القوى اللبنانية في تقاذف الاتهامات والمسؤوليات والتهرب منها، علماً أن خطّ التهريب بالمنطقة معروف وترعاه قوى سياسية متعددة ومتصارعة، فالقضية أصبحت أبعد من الحسابات السياسية، وهي تنذر بشرّ مستطير يتهدد لبنان، ما لم يكن هناك حلول جذرية سريعة تقتضي وجوب تشكيل حكومة إنقاذية قادرة على حمل كرة النار والبدء بإطفائها. وبدلاً من تسريع وتيرتها، سارع الرئيس إلى عقد جلسة للمجلس الأعلى للدفاع، والمسار لا يزال يتعرض لتعقيدات تتعلق بالحسابات المتضاربة.

الصراع المفتوح بين عون وخصومه ينعكس سلباً على مسار الحكومة، وسط استمرار اللقاءات بين رئيسها المكلف نجيب ميقاتي وممثلين عن القوى السياسية، للبحث عن حلول لتوزيع الحقائب.

وبعد كل الأجواء الإيجابية التي أشيعت سابقاً، تكشف مصادر متابعة، لــ«الجريدة»، أن معظم الحقائب الخدماتية لا يزال هناك خلافات حولها، فاليومان الماضيان شهدا عقد لقاءات بين ميقاتي وكل من علي خليل ممثلاً عن «حركة أمل»، وحسين الخليل عن «حزب الله»، ووائل أبو فاعور عن «التقدمي الاشتراكي».

وبقي «حزب الله» متمسكاً بوزارة الأشغال أو الصحة، التي يريدها ميقاتي بحصة السنة، وتمسك فرنجية بـ «الاتصالات»، التي يريدها ميقاتي من حصته أيضاً، وهناك خلاف على «الشؤون الاجتماعية» وهل ستكون من حصة الدروز أم عون، كذلك هناك خلاف حول «الزراعة» بين عون و«أمل»، وبينهما أيضاً خلاف حول اسم وزير المال يوسف خليل، الذي يطالب عون باستبداله.

كل ذلك يحصل ولبنان يتحول إلى كرة نار ملتهبة، وقد تدفع هذه الأحداث المتسارعة القوى السياسية إلى تسهيل تشكيل الحكومة، ولكن حتى الآن ليس هناك ما يشي بذلك، بل الصراعات تستفحل، ولا يمكن إغفال الصراع المفتوح بين عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسط مساعي عون لنقل المشكلة إلى مجلس النواب، من خلال توجيهه رسالة إليه لمناقشة تداعيات قرار رفع الدعم، وهذا سينعكس توتراً على علاقته برئيس المجلس نبيه بري، ليتحول ما يجري في لبنان إلى الجدل البيزنطي الذي سبق اجتياح القسطنطينية.

منير الربيع