مُذ دخل المتنبي إلى بلاط سيف الدولة الحمداني - أمير حلب - وأبوفراس كان شديد الانزعاج لوجوده، وكانت المشاحنات بينهما مشتدة دائماً، لكنها بلغت ذروتها عندما رفع سيف الدولة دواةً وقذف بها المتنبي، فانتهت بينهما العلاقة، بعد أن كان المتنبي قد رفع بشعره سيف الدولة إلى أرقى المراتب.

***

Ad

• وقعت هذه الحادثة يوم كان المتنبي يُلقي قصيدته "واحرَّ قلباه" أمام حشد من الحضور، فيهم أبوفراس، الذي كان يظن أن المتنبي يستهدفه:

"يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصمُ والحكمُ

أُعيذها نظرات منك صادقة

أن تحسب الشحم فيمن شحمهُ ورمُ".

- وهنا صرخ أبوفراس: هذا مسروق من دعبل، يوم قال:

"ولست أرجو انتصافاً منك ما ذرفت

عيني دموعاً وأنت الخصم والحكمُ".

لم يردّ المتنبي، واستمر يُنشد:

"سيعلم الجمع ممن ضم مجلسُنا

بأنني خير من تسعى به قدمُ

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صممُ".

- فصاح أبوفراس: وهذا مسروق من عمرو بن عروة بن العبد، إذ قال:

"أوضحتُ من طُرق الآداب ما اشتكلت

دهراً وأظهرتُ إغراباً وإبداعاً

حتى فتحتُ بإعجازٍ خُصصتُ به

للعُمي والصُم أبصاراً وأسماعاً".

لكن المتنبي لم يعبأ، واستمر:

"الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ".

- فصرخ أبوفراس: وماذا أبقيت للأمير؟ بعد أن وصفت نفسك بالشجاعة والفصاحة والرياسة، ثم إنك تمدح الأمير بما تسرقه من غيرك.

تماسك المتنبي بكل رباطة جأش، واستمر يُلقي شعره:

"وما انتفاع أخي الدنيا بناظرهِ

إذا استوت عندهُ الأنوار والظلمُ".

- فتصدى أبوفراس: وهذا مسروق من البكري، إذ قال:

"إذا المرءُ لم يدرك بعينيه ما يُرى

فما الفرق بين العُمي والبصراءِ".

***

• وهنا انفجر سيف الدولة غضباً، فضرب المتنبي بالدواة، فقال له المتنبي:

"إن كان سَرَّكمُ ما قال حاسدنا

فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ".

- لكن أبا فراس لم يترك هذا البيت يمر دون أن يُظهر أنه هو الآخر مسروق من بشار بن بُرد:

"إذا رضيتم بأن نُجفى وسَرّكم

قول الوشاة فلا شكوى ولا ضجرا".

***

وهكذا بدأت مرحلة جديدة في حياة المتنبي، حين قرر الرحيل إلى مصر، بعد أن لحقته الإهانة في حلب.

د.نجم عبدالكريم