كان مطار كابول، أمس، مسرحاً لمشاهد غير مألوفة، مع تعلُّق أشخاص بطائرة عسكرية وهي على وشك الإقلاع، إذ اجتاح آلاف المواطنين المدرج على أمل الفرار بعد سيطرة «طالبان» على أفغانستان، مما أدّى إلى سقوط عدد من القتلى، ودفع بالولايات المتحدة إلى تعليق جميع رحلات الإجلاء مؤقتاً لإخراج الحشود التي تجمعت في المطار.

شريط الفيديو الذي تناقلته قنوات العالم، يرمز إلى الفشل الذريع الذي تمثله بالنسبة لأميركا عودة «طالبان» إلى السلطة بعد 20 عاماً من الحرب.

Ad

وفيه يظهر المئات من الأشخاص وهم يركضون قرب طائرة نقل عسكرية أميركية تتحرك استعداداً للإقلاع بينما يحاول البعض بجنون التشبث بجوانبها أو بعجلاتها.

وتكشف مقاطع فيديو أخرى أيضاً مشاهد من الفوضى العارمة على مدرج المطار، إذ يحاول أفغان تسلق السلالم المؤدية إلى الطائرات.

وتحت أنظار مئات الأشخاص، حاول أولئك الذين تمكّنوا من صعود السلالم ومعظمهم من الشباب بعدها مساعدة آخرين للحاق بهم وقد تشبث بعضهم بكل قوته بالقضبان.

وتوجهت الحشود إلى المطار بعد انتشار إشاعات بين سكان العاصمة وعلى مواقع التواصل أن دولا غربية، خصوصاً الولايات المتحدة وكندا، ستنقل الراغبين بالهجرة إليها من دون حاجة إلى تأشيرات أو وثائق سفر.

إطلاق النار

وحمل التدافع الكبير بالقوات الأميركية التي تؤمن المطار إلى إطلاق النار في الهواء للسيطرة على الحشد. وذكرت قناة «تولو نيوز» أنه لم يتأكد ما إذا كان الأشخاص الخمسة قتلوا بسبب التدافع أم بسبب إطلاق النار، لكن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أفادت بسقوط قتلى جراء إطلاق النار.

من جهة أخرى، قال مسؤول أميركي، إن الجموع في المطار كانت خارج السيطرة، وإن القوات الأميركية أطلقت النار في الهواء لمنع الفوضى ولمنع أفغان من ركوب طائرات عسكرية مخصصة فقط لنقل دبلوماسيين وموظفين في السفارات.

ويتولى جنود أميركيون مسؤولية تأمين المطار للمساعدة في إجلاء موظفي السفارة الأميركية ودبلوماسيين أجانب من دول عدة إضافة إلى مدنيين آخرين يرغبون بالمغادرة.

وأعلنت هيئة مطار كابول تعليق جميع الرحلات الجوية التجارية.

وفي وقت لاحق، قال مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن الولايات المتحدة أوقفت مؤقتاً جميع رحلات الإجلاء لإخراج الحشود التي تجمعت في المطار.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أنه تم تأمين محيط المطار. وأرسل الأميركيون 6 آلاف جندي لإجلاء 30 ألف دبلوماسي أميركي ومدني أفغاني، مؤكّدة من ناحية أخرى، إنزال العلم الأميركي عن مقر سفارة الولايات المتحدة في كابول التي بات «جميع موظفيها» في المطار بانتظار الإجلاء،.

هدوء بالعاصمة

من ناحية أخرى، وبعد يوم من سيطرتها على كابول وانهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، ساد الهدوء سائر أنحاء العاصمة، أمس، فيما كان مقاتلو «طالبان» يقومون بدوريات في الشوارع ويقيمون نقاط تفتيش.

ودعا الملا عبدالغني برادر، أحد مؤسسي «طالبان» مقاتليه إلى الانضباط.

وفي كلمة هنأ فيها الأفغان، قال برادر: «إن الحركة بلغت مرحلة لم تكن تتوقعها، ودخلت في مرحلة اختبار بشأن كيفية طمأنة الشعب الأفغاني بإمكانية التعايش معاً، والآن علينا أن نظهر أن بإمكاننا خدمة أمتنا وضمان السلام».

من ناحيته، قال المتحدث باسم المكتب السياسي لـ«طالبان» محمد نعيم، إن مقاتلي الحركة باشروا جمع السلاح من المدنيين في العاصمة.

من جهته، قال سهيل شاهين، عضو المكتب السياسي لـ«طالبان» وعضو وفد الحركة لمحادثات السلام إلى الدوحة، إن الحركة «تجري محادثات ترمي إلى تشكيل حكومة شاملة وهو ما يطالب به شعبنا».

كرزاي

من جانبه، قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي إنه تواصل مع زعماء «طالبان» لحل الأزمة «بالطرق السلمية والأخوية».

وأضاف أنه بعد هروب الرئيس أشرف غني والمسؤولين عن البلاد، ومنعاً لحدوث فوضى، تم تشكيل لجنة من 3 شخصيات لنقل السلطة بصورة سلمية مكونة منه ومن رئيس لجنة المصالحة عبدالله عبدالله، والزعيم قلب الدين حكمتيار.

غني

بدوره، أبدى غني ثقته بأن «عدداً كبيراً من المواطنين كانوا سيقتلون وأن كابول كانت ستدمر لو بقيت في أفغانستان»، مضيفا في رسالة عبر فيسبوك «انتصرت طالبان وهي مسؤولة الآن عن شرف الحفاظ على بلادها».

ولم يحدد غني مكان وجوده لكن مجموعة «أفغان تولو» الإعلامية ذكرت أنه توجه إلى طاجكستان.

وأعلن الناطق باسم السفارة الروسية في كابول نيكيتا إيشتشنكو، أمس، أن غني هرب ومعه 4 سيارات وطائرة مروحية محملة بالمال واضطر لترك بعض النقود على المدرج لأنه لم يكن هناك متسع لها.

من ناحية أخرى، أوضح موفد الكرملين إلى أفغانستان زامير كابولوف، أمس،إنه من غير المقرر تنفيذ عملية إجلاء، مشيراً إلى أن «روسيا تلقت ضمانات من طالبان بأنها لن تُمس ولا حتى شعرة واحدة في رأس أي دبلوماسي روسي».

وأعلن كابولوف، أن السفير الروسي لدى كابول ديمتري جيرنوف، سيلتقي قادة من الحركة، اليوم «ليناقش معهم المسائل المرتبطة بأمن السفارة بشكل خاص».

الصين التي تتشارك حدوداً مع أفغانستان تمتدّ على 76 كلم، أبدت بدورها استعدادها لإقامة «علاقات ودية مع طالبان».

وأكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شونيينغ أن بكين «تحترم حق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره ومستقبله».

وأشارت إلى أن السفارة الصينية لدى كابول «تواصل العمل بشكل طبيعي».

وفي إسطنبول، قال وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، إن سفارة بلاده في العاصمة الأفغانية ستستمر في أداء مهامها.

بيان واجتماع

دولياً، أعلنت الولايات المتحدة و65 دولة أخرى في بيان مشترك، أن المواطنين الأفغان والأجانب الذين يريدون الفرار من أفغانستان «يجب أن يسمح لهم بذلك»، محذرة «طالبان» بأن عليها أن تتحلى «بالمسؤولية» في هذه المسألة.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس، إن وزراء خارجية الاتحاد سيعقدون اجتماعاً استثنائياً طارئاً اليوم، «في أعقاب التطورات الأخيرة في أفغانستان».

كذلك نقلت دول أوروبية وعربية منها أفراداً من طواقمها الدبلوماسية في كابول إلى المطار حيث تم إجلاؤهم.

ميركل

وفي برلين، وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس، الوضع في أفغانستان بأنه «مرير بالنسبة لكل الذين حاولوا العمل من أجل التقدم والحرية وخصوصاً النساء»، معتبرة أن «مسؤولية الانسحاب العسكري الغربي من هناك تقع على عاتق الولايات المتحدة». وأوضحت المستشارة، أن الانسحاب من أفغانستان «أكبر كارثة لحلف شمال الأطلسي منذ تأسيسه».

لندن

وفي لندن، حذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي الوزاري، الدول الغربية من الاعتراف بـ«طالبان» كحكومة جديدة من دون اتفاق مسبق.

من ناحيته، وصف وزير الدفاع بين والايس، أمس، عودة «طالبان» إلى الحكم بأنها «فشل للمجتمع الدولي الذي لم يفهم أن الأمور لا تُحلّ في ليلة وضحاها».

علاقات قوية بعيدة عن الضوء

طُردت حركة طالبان من السلطة قبل عشرين عاما لسماحها لـ «القاعدة» بتدبير اعتداءات 11 سبتمبر 2001. ومن المتوقع الآن أن تعتمد الحركة بعد استعادتها أفغانستان نهجاً أكثر حذراً، ولو أنها تبقي روابط وثيقة مع التنظيم الجهادي.

والروابط بين هذين الفرعين من المتطرفين مصدرها التاريخ القديم، إذ كان المسؤولان الكبيران في «طالبان» والدا سراج الدين حقاني والملا يعقوبي، على صلة ببن لادن. وتلقى زعيم الحركة هيبة الله أخوند زاده الإشادات من جانب آخر ووصفه زعيم القاعدة أيمن الظواهري عند تعيينه في 2016 بأنه «أمير المؤمنين».

وفي مفاوضاتهم مع الأميركيين، وعد المسؤولون الجدد بعدم حماية تنظيم القاعدة، الذي أسسه أسامة بن لادن والمسؤول عن أكبر اعتداء يرتكب ضد قوة غربية، لكن هذا الوعد لم يعد يقنع أحداً الآن.