غطت مشاهد الفوضى غير المسبوقة في مطار كابول، أمس، واجتياح المئات لمدرجه وتعلق العشرات بالطائرات وسقوطهم منها أثناء محاولة إقلاعها فضلاً عن عمليات إطلاق النار، على الواقع الميداني والإنساني المعقّد، وتسببت في تأخير عملية الإجلاء الكبير للقوات والبعثات الأجنبية، في وقت واصلت حركة طالبان بسط سيطرتها بهدوء، مع استعدادها لتشكيل حكومة، بدعم روسي- صيني حذر، متطلعة للتعاون مع تركيا بوصفها «دولة إسلامية شقيقة».وعلى وقع أزمة كبيرة ألقت بظلال كثيفة على الوضع الإنساني والميداني الغامض في جميع الولايات الأفغانية، كشف مصدر في «فيلق القدس» الإيراني، أن «الحرس الثوري» بدأ شراء أسلحة أميركية غنمتها «طالبان» من الخروج المتعجل وغير المنسق لواشنطن، خصوصاً الطائرات من دون طيار والحوامات القتالية.
وبعد انتشار شائعات بأن دولاً غربية، خصوصاً الولايات المتحدة وكندا، ستقوم بنقل الراغبين في الهجرة إليها من دون حاجة إلى تأشيرات أو وثائق سفر، توجهت حشود إلى مطار كابول في مشاهد صادمة وتدافع أدى إلى سقوط 5 قتلى من ارتفاع شاهق، وحملت القوات الأميركية على إطلاق النار وقتل اثنين آخرين وتعليق عملية إجلاء القوات والبعثات وإلغاء جميع الرحلات التجارية.وبعد ساعات، أعلن مسؤول في «البنتاغون» عن لقاء جمع قائد القوات الأميركية في كابول الجنرال كينيث ماكينزي بممثلي «طالبان» في الدوحة أمس، وطلب فيه عدم مهاجمة مطار كابول.وعلى عكس الدول الغربية، أبدت روسيا قبولها لعودة «طالبان»، واعتبرت أن لا داعي للذعر، مؤكدة أن الوضع في كابول «يتّجه نحو الاستقرار، والحركة تفرض النظام العام»، وأنها بدأت «التواصل معها».
وبينما أبدت الصين، التي تتشارك حدوداً مع أفغانستان تمتدّ على 76 كلم، استعدادها لإقامة «علاقات ودية» مع الحركة، أعرب الناطق باسمها سهيل شاهين عن التطلع للتعاون مع تركيا في أمور كثيرة بوصفها «دولة إسلامية شقيقة»، مطمئناً بأنه «لن يسمح لأي مجموعات أو أفراد باستغلال أفغانستان ضد أي دولة في العالم».وقبل شرح الرئيس الأميركي جو بايدن لموقفه من آخر التطوّرات، أعلن مسؤول أميركي أن «أي أصول للحكومة الأفغانية في المصرف المركزي لن تكون متاحة لطالبان»، مؤكداً أنه تمت الاستعانة بألف جندي إضافي لتأمين عمليات الإجلاء.إلى ذلك، أفاد المصدر «الجريدة» بأن «طالبان» استغلت عدم قدرة الجيش الأفغاني على جمع أسلحته أو التخلص منها واستولت عليها وبات لديها فائض أسلحة أميركية كبيرة لا يعلم قادتها كيف يستخدمونها، ولهذا عرضوا على «الحرس الثوري» شراءها منهم، وبالفعل قبل أن ترصد واشنطن الموضوع اشترى الحرس عدداً من الطائرات والحوامات ونقلها إلى إيران بسرعة.وأوضح المصدر أن فريقاً من الحرس سافر إلى أفغانستان ليفتش عن أسلحة تستفيد منها إيران وشرائها من «طالبان»، مشيراً إلى أن ما يهم الفريق هو نقل هذه الأسلحة إلى طهران والاستفادة من التكنولوجيا المستخدمة فيها لتصنيع أسلحة مشابهة أو اختراقها؛ لأن معظمها، لاسيما الحوامات، يحتاج إلى قطع غيار غير متوفرة لديها وعليها تأمينها عبر السوق السوداء، ومع ذلك فإن إيران تحتاج كل ما يمكن أن تحصل عليه نظراً للعقوبات المفروضة من الولايات المتحدة على تصدير الأسلحة خصوصاً الحوامات.وأضاف أن الإيرانيين يحاولون شراء الطائرات والمقاتلات الأميركية الموجودة بحوزة «طالبان» أيضاً، ولكن لم يصلوا إلى اتفاق بعدُ، مبيناً أن الحرس الثوري استطاع بناء علاقات وثيقة مع قسم كبير من قادة الحركة خلال العقدين الماضيين، ولهذا فإنه متأكد من أن سيطرة «طالبان» على أفغانستان لن تشكل خطراً على إيران كما كان الحال منذ 20 عاماً.وأشار إلى أن هناك تنسيقاً دقيقاً جداً بين «فيلق القدس» وجهاز استخبارات الجيش الباكستاني (ISI) الذي يؤمن الدعم الأصلي لـ«طالبان»، مبيناً أن مجلس الأمن القومي الإيراني عقد اجتماعاً طارئاً، أمس الأول، برئاسة الرئيس إبراهيم رئيسي، بعد التأكد من أن كابول باتت تحت سيطرة «طالبان»، واتخذ قراراً بدعم تشكيل حكومة توافق وطني في أفغانستان والاعتراف بها بشرط اعتراف المجتمع الدولي.وقال المصدر إن هذا القرار جاء رداً على طلب بعض وسطاء «طالبان» بأن تعترف إيران بحكم الحركة وتشكيل إمارة إسلامية مع ضمان أنها لن تشكل خطراً عليها أو تسمح لأي تنظيم أو مجموعة معارضة لطهران بالعمل من الأرض الأفغانية.ووفق المصدر، أكد الوسطاء للحرس أن «طالبان» مستعدة لإيجاد تحالف سياسي مع إيران يعتبر أن المهم هو خروج الأميركيين من المنطقة، ويمكن فيما بعد التعامل معاً بشكل ما، في حين أن «الخارجية» الإيرانية وبعض السياسيين ما زالوا متخوفين من إمكانية عودة الحركة لاستراتيجيتها السابقة، ولهذا فهم مصرون على أن تلتزم إيران بموقف دعم حكومة موحدة تشارك فيها جميع الجهات السياسية لتأمين أفغانستان وعدم الاعتراف بأي حكومة خارج إطار المجتمع الدولي.