في الصميم: لا تتباكوا على مال أنتم من أضاعه
المؤسف أن الحكومة والمجالس المتعاقبة هما من تسببا في المأزق الحالي، وهما من تسببا بردود فعل المواطنين الغاضبة ضد أي توجه للترشيد ولشد الأحزمة، فهما من أضاعا بصراعاتهما السياسية وسياسة لي الأذرع على الكويت فرصاً كثيرة.
لا تبكوا على مال أنتم من أضاعه، ولكن ابكوا على مستقبل أبنائكم وأحفادكم لأنكم أنتم من عرّض للخطر استقرارهم ومستقبلهم، وحتى أمنهم، بإسرافكم وبذخكم وهدركم وطمعكم وسوء تدبيركم.فقبل نحو ثماني سنوات، عندما كانت ما يسمى المعارضة في أوج قوتها وجبروتها، أعلن رئيس الوزراء السابق في تصريح إنشائي، لم ينّفذ هو منه شيئا، ما يلي: «إن الحقيقة الماثلة أمامنا، والتي ينبغي على الجميع معرفتها من أجل تداركها وإصلاحها وتغييرها، هي أن دولة الرفاهية الحالية التي تعّود عليها الكويتيون غير قابلة للاستمرار، فحقائق الأوضاع الاقتصادية، محليا وعالميا، تشير إلى ضرورة تحول المجتمع الكويتي من مستهلك لقدرات الوطن الى منتج للثروة للمساهمة في الاقتصاد الوطني، ويسعى برنامج الحكومة الذي بين أيديكم إلى البدء بتحقيق ذلك»، صدر ذلك التحذير في أكتوبر 2013، فماذا عساه سيقول عن يومنا هذا؟كان كلام رئيس الوزراء جميلا، وأعطى انطباعا بأن الحكومة أخيراً تحسست ضرورة إدارة البلد بالطريقة الحديثة الصحيحة، وقتها ثار بعض النواب المعارضين وبعض الكتاب على ذلك التصريح التجميلي، فلا أحد يريد أن يصدّق الحقيقة، ولا أحد يريد أن يستيقظ من منامه ليكتشف أن عليه أن يشد الأحزمة، إن لم يكن في ذلك اليوم فحتما سيكون غداً، ويا للسخرية ففي عهد ذلك الرئيس زاد الفساد، واستفحل بين كبار القوم وصغارهم، وأحيل منهم من أحيل إلى التحقيق، وأرسل منهم من أرسل الى السجون.
ضاعت تلك الفرصة كما ضاعت قبلها على الكويت فرصة أعظم، إنها فرصة 26 فبراير 1991، وهو اليوم الذي تحررت فيه الكويت من براثن الغزو العراقي، كانت فرصة لن تعوض لإصلاح كل ما فسد، ولكن الوضع ازداد سوءا، فقد زاد الفساد، وزاد الهدر، وتغيرت التركيبة السكانية بمئات الآلاف، وأدخل على البلد مئات آلاف آخرين من العمالة الهامشية، وها هي الكويت بأهلها تتوجس من كارثة حقيقية لم يستوعب مداها حتى الآن الكثير من القياديين والنواب والمواطنين. وها هي الحكومة أضاعت فرصتها الثانية في 2013، فقد مضى على ذلك التصريح ثماني سنوات عجاف، لم تقم خلالها الحكومة بأي إجراء يدل على الجدية في بيانها، فقد كان المفترض عليها أن تبادر بفرض رؤيتها المستقبلية، وأن تبدأ بنفسها، إلا أن المؤسف أن الحكومة والمجالس المتعاقبة هما من تسببا في المأزق الحالي، وهما من تسببا بردود فعل المواطنين الغاضبة ضد أي توجه للترشيد ولشد الأحزمة، فهما من أضاعا بصراعاتهما السياسية وسياسة لي الأذرع على الكويت فرصاً كثيرة.فمن يلوم المواطنين الغاضبين عندما يطلب منهم شد الأحزمة وهم يرون أن أحزمة القياديين والنواب فلتانة على الآخر؟ وعندما يرون المزارع والجواخير والقسائم لا تزال توزع للتنفيع ولشراء الولاءات؟ وعندما يرون المناصب تفصل على مقاساتهم؟ من يلوم المواطنين من التذمر وهم يرون الحكومة والمجلس متعاونين على الهدر والتبذير ابتداء من شراء الطائرات الخاصة، والإعلان عن تبرعات مليارية لا أحد يعلم في أي جيب استقرت، وانتهاء بمئات الملايين تهدر سنويا على السياحة العلاجية.إننا نعيش في العهد الجديد فرصة إصلاحية ثالثة، نسأل الله أن يسدد الله خطى من بيدهم الأمر إلى ما فيه خير البلد.