حكومة الانفجار أم انفجار الحكومة؟!
ها هو لبنان يعيش مرة أخرى تداعيات أزمة إنسانية معيشية جديدة، عنوانها انفجار صهريج الوقود في قرية «التليل العكّارية»، أبطالها الجشع والانهيار الاقتصادي، ومنتجها تحالف الفساد والترهل الحكوميين. من المعروف أن «عكّار» هي من أكثر المناطق اللبنانية حرماناً وتهميشاً، في حين أنها تشكّل «خزان الجيش اللبناني» الذي ترفد النسبة الكبرى من عديده من شبابها الوطني، ولا شك أن انكشاف مستودع الوقود فيها ومن ثم انفجاره، شكل وسيشكل تحولاً- ولو لحظياً- في المشهد اللبناني، نظراً لتقاطع عدة اعتبارات محلية وخارجية.بالوقائع، وعلى أثر فقدان المحروقات من الأسواق كجزء من مسلسل الأزمات الاقتصادية الحادة والمتزايدة، تحرّك الجيش اللبناني ليكشف عن عدد من خزانات الوقود التي تعود ملكيتها لبعض «المافياويين» الطامعين بارتفاع الأسعار لزيادة أرباحهم، وهذا ما يؤكد أنه بوجود الإرادة الجامعة والغطاء السياسي فإن القوى الأمنية قادرة على تحقيق ما يعجز عن فعله غيرها من المؤسسات الحكومية، بما في ذلك استعادة مهمة الدفاع عن لبنان، وتوقيف حركة التهريب عبر الحدود، واستخدام ورقة الجيش للخروج من المأزق الكياني!
هذا مع الملاحظة أن الرأي العام قد تأكد من توزّع «خزانات الجشع» على كل الخريطة اللبنانية من جنوبها حتى شمالها، ولكنه لم يسمع بتوقيف أي من الجشعين الذين بقيت أسماؤهم قيد الكتمان السياسي وربما المذهبي! وفي هذا السياق تأكدت المسؤولية التشاركية بين السياسيين والمحتكرين في إحراق الوطن والمواطنين بمراحل وعناوين مختلفة، كان آخرها اشتعال طابور الفجر الذي جمع البؤساء الطامحين بالحصول على بعض الليترات من «البنزين».وكما حصل بعيد انفجار مرفأ بيروت، استغلت القوى السياسية انفجار «التليل» لتدخل- بلهجة عالية السقف وغير مسبوقة- سوق المناكفات الخطابية وتبادل الاتهامات طمعاً بشعبية مذهبية قد تفيدهم في الانتخابات أو في تصفية الحسابات، وهذا إن دلّ فإنه يدلّ على نجاح حراك «17 تشرين» (أكتوبر) في هزّ عروش الطبقة السياسية وكسر حاجز الخوف الذي حصّن مناصبهم ومواقعهم على مدى عقود من الزمن.لا شك أن بازار المناوشات السياسية الذي فتحت أبواب «جهنمه» ينبئ بشعور الطبقة الحاكمة والمتحكمة بنهايتها القريبة، وعلى الأقل فإنه يشي بحاجة كل الأحزاب والتيارات اللبنانية لتعزيز وجودها الشعبي المتناقص، مما يخشى معه أن تتزايد في الفترة القادمة حدة التجييش الطائفي الذي قد يتحول بسهولة لنزاع مسلح لا قدر الله. يأتي ذلك في ظل بروز تصريحين لافتين كانت ساحتهما الداخل اللبناني وارتبطت أبعادهما بلعبة المصالح الدولية، فليس جديداً أن يطالب أمين عام «حزب الله» القوى السياسية بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، لكن رسالته الأخيرة في ليلة السابع من محرّم كانت مباشرة الخطاب، وحازمة اللهجة، وحاسمة الموقف، حيث حذّر الحلفاء قبل الخصوم من تداعيات التأخير في تشكيل الحكومة.وعلى الطرف النقيض، ورغم التباين السياسي، التقت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان مع السيد «حسن نصرالله» من خلال كلمة مكتوبة تلتها من منبر القصر الجمهوري، على تحميل اللاعبين الرئيسيين مسؤولية الفوضى العارمة التي قد تنتج عن عدم تشكيل الحكومة خلال أيام.وهنا يتضح أن انفجار الوقود «العكّاري»، مع ما قد ينتج عنه من انفجار شعبي واجتماعي وأمني، قد يشكل آخر وسيلة ضغط لتشكيل الحكومة التي سيسلك معها اللبنانيون درب الجلجلة لترميم ما تبقى من اقتصاد وإنقاذ ما بقي من مقومات حياة والمحافظة على ما ثبت من كيان.والواضح تماماً أن الخناق الداخلي والخارجي بدأ يضيق على أولي الأمر، فلم تعد هوامش المناورة متاحة أمامهم، ولم تعد لهم أي فرصة لتغليب العناد والطموحات الشخصية على الضرورات الوطنية والمصلحة العامة، أما إذا بقيت المناكفات هي سيدة الموقف تحت شعار «عليّ وعلى أعدائي يا رب» فإن الارتطام الكبير آت حتماً بقوة وخسائر تفوق هولاً ما مرّ به لبنان من محطات مفصلية وموجعة، ولا سيما في عام 1990 وما سبقه منذ عام 1975.