استغل رئيس التونسي قيس سعيّد جولته التفقدية بمطار قرطاج الدولي، أمس الأول، في التأكيد على أن حرّية التنقل مضمونة، ولا نيّة للمساس بها، وأن الإجراءات الاستثنائية الاحترازية لا تعني حرمان التونسيات والتونسيين من حقّهم في التنقّل، مشدداً على أن القانون سيطبق على الجميع بالمساواة والمطلوبين للعدالة أو الملاحقين بشبهات فساد عليهم تسوية أوضاعهم مع القضاء.

وإذ طمأن بأن الحكومة ستتشكل قريباً وأنه سيسعى لإقامة نظام يعبر عن إرادة الشعب التونسي، قال سعيد: إن "من يحاول أن يقنع نفسه بأنني سأعود للوراء واهم، ومن يؤلب الرأي العام ضد تونس وحديثهم عن وجود دكتاتورية ومساس بالحريات خونة"، رافضاً وصف الإجراءات والتدابير التي اتخذها في 25 يوليو الماضي بأنها "انقلاب".

Ad

وأوضح سعيّد أنه "يتألم عند اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية الخاصة بمنع السفر، لكن الوضع الحالي يقتضي اتخاذها ليس بغرض الحد من حرية التنقل، بل محاربة الفساد"، مطالباً "بعض السياسيين النزهاء أن يتريثوا قليلاً ريثما تستقر الأوضاع".

وأشار إلى أن "الإجراء يخص من تتعلق بهم شبهات فساد ومن يهرب أموال الشعب"، مضيفاً: "لسنا في دكتاتورية ولم تنصب المشانق وحرية التنقل مضمونة ولا مجال للمس بها، ولم يتم اتخاذ التدابير الاستثنائية بناء على الانتماء السياسي لأي شخص، والمنع طال مديرين شركات واجهة تقف وراءها أطراف سياسية تدعي محاربتها للفساد".

حادث مرور

مع إصدار وزير الداخلية الجديد خالد اليحياوي قرارات بمنع بعض نواب البرلمان المجمد من السفر، وبينهم أنور الشاهد أو وضعهم تحت الإقامة الإجبارية كالنائب المستقل زهير مخلوف ومحمد اللطيفي، اعتبرت أحزاب سياسية منها التيار الديمقراطي المقرب للرئاسة، أن هذه الإجراءات تعسفية اتخذت دون قرار رسمي، داعية إلى احترام استقلالية القضاء واتباع القوانين حتى لا تتحول الإجراءات الاستثنائية إلى انحراف عن الدستور وانفراد بالسلطات.

وانتقد الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي "الإجراءات المتتابعة بخصوص الإيقافات والمنع من السفر"، مجدداً وصف ما يجري في تونس بالانقلاب.

واستخدم المرزوقي تعبير "دولة اللاقانون واللامؤسسات" في وصف المستجدات، ورأى في تدوينة على "فيسبوك" أن ما حصل بمثابة "حادث مرور تاريخي ستخرج منه تونس مثخنة بالجراح".

وأردف بالقول: "لكن بتجربة لا تنسى وبعزيمة أقوى لبناء دولة قانون ومؤسسات لا يختطفها مغامر وشعب لا ينخدع بالشعارات التي أوقعت كم من شعوب في فخّ الاستبداد وهو أشرّ أنواع الفساد".

اختبار سريع

وبعد ثلاثة أسابيع من عزله لرئيس الوزراء هشام المشيشي وتجميد البرلمان ضمن إجراءات استثنائية، لم يعين سعيد بعد حكومة جديدة أو يوضح السياسة الاقتصادية العامة أو يحدد كيف ينوي تمويل العجز العام وسداد الديون. ويتساءل اقتصاديون وسياسيون أيضاً عن خططه لإعداد ميزانية العام المقبل ورؤيته لوقف نزيف الاقتصاد العليل.

وأدت تحركاته الشهر الماضي إلى توقف المحادثات التي تأخرت كثيراً مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض كان من المتوقع أن يفسح المجال للمزيد من المساعدات الاقتصادية ويجنب تونس أزمة في المالية العامة.

وسددت تونس أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية، لكن يتعين عليها أن تدبر 5 مليارات دولار أخرى لتمويل عجز ميزانيتها المتوقع وسداد المزيد من الديون المستحقة وكذلك أجور الموظفين في القطاع العام.

وانكمش الاقتصاد 8.2 في المئة العام الماضي بينما دفع عجز يبلغ 11.5 في المئة الدين العام ليشكل 87 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لصندوق النقد الدولي.

ولا يرى اتحاد الشغل التونسي ذو النفوذ وهو النقابة الرئيسية والمقرضون الأجانب خيارات متعددة أمام تونس سوى استئناف التفاوض مع صندوق النقد.

وفيما قال محمد علي البوغديري الأمين العام المساعد في الاتحاد: "ندعم المفاوضات مع الصندوق وللأسف ليست لدينا خيارات كثيرة"، حذر دبلوماسي غربي من أن "الساعة تدق في مواجهة التحدي الاقتصادي والإصلاحات اللازمة لتأمين قرض النقد ستكون مهمة في الحصول على مزيد من المساعدة للاقتصاد المنهار".

ومثل تلك الإصلاحات، بما في ذلك إعادة توجيه الدعم وتقليص أحد أثقل أعباء رواتب القطاع العام في العالم كنسبة من الناتج المحلي، لا يبدو أنها تحظى بشعبية وستأتي في وقت يكون فيه المزاج العام شديد التقلب.

وساعد الغضب المتنامي من تفشي الفساد وسوء الإدارة والركود الاقتصادي، الذي تفاقم بسبب جائحة كورونا، في خلق دعم شعبي واسع النطاق لتدخل سعيد المفاجئ في 25 يوليو.

وأخفقت الحكومات المتعاقبة في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وساءت الخدمات العامة بشكل غير مسبوق على الأخص في النقل والصحة التعليم.

وأضحت الحكومات بين مطرقة المقرضين الدوليين الذين يطالبون بإصلاحات لا تحظى بالقبول العام وسندان اتحاد الشغل الذي يطالب بتحسين وضع الموظفين.

‬‬الدعم الخليجي

وقبل انتخابه قدم سعيد إشارات نادرة على رؤيته الاقتصادية رغم أن بعض مؤيديه الرئيسيين جاءوا من اليسار السياسي. وكان يردد أنه سيطبق ما يريده الشعب من المناطق المهمشة والفقيرة.

وقد يكون أحد الخيارات المتاحة أمام سعيد هو طلب المساعدة من دول الخليج. وذكر سعيد أنه أجرى اتصالات مع "دول صديقة" عرضت مساعدة تونس على تخطي الوضع الاقتصادي السيئ. واستقبل مبعوثين من السعودية والإمارات.

وقال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، إن المساعدات الخليجية قد تمنح سعيد مساحة للمناورة المالية و"تسمح للإصلاحات السياسية بالبدء على الفور، يليها إصلاح اقتصادي من جانب حكومة مستقرة بعد الانتخابات".

ومع ذلك، إذا كان هذا النهج ينطوي على خطوات تهدد الديمقراطية في تونس، فقد يؤدي ذلك إلى عزوف المقرضين الغربيين.

ورأى البوغديري أن سعيد لديه فرصة حقيقية للاستفادة من "الدعم الشعبي الواسع" لاقتراح إصلاحات يحتاجها الاقتصاد، مضيفاً أن الاتحاد العام التونسي للشغل أيد إدخال بعض الإصلاحات على الشركات المملوكة للدولة ومراجعة الدعم.