في اليوم الثالث من استيلائها على السلطة في أفغانستان، عقدت حركة طالبان أمس، أول مؤتمر صحافي في كابول، حاولت خلاله إشاعة أجواء من الهدوء، والظهور بشكل معتدل ومغاير لنظامها السابق المنبوذ دولياً، ولعقيدتها المتشددة الرافضة للتعددية، ونزعتها الانتقامية، وتحيزها ضد المرأة.

ووسط شعب دفع الخوفُ بعضَه إلى الموت في سبيل الهروب، ومجتمع دولي مصدوم من مشاهد الفوضى والرعب في مطار كابول، قال المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، في مؤتمر نادر استهله بتلاوة آيات قرآنية، إن "الإمارة الإسلامية لا تحمل ضغينة لأحد، وعفت عن آلاف الجنود الذين حاربوها 20 عاماً، ولن تنتقم من المتعاونين مع الاحتلال أو مع النظام السابق، الذي أخلت وحداته المراكز الأمنية بدون تنسيق".

Ad

وأضاف ذبيح الله: "دولتنا إسلامية سواء قبل 20 عاماً أم الآن، لكنّ هناك اختلافاً هائلاً بين ما نحن عليه الآن، وما كنا عليه، ولا نريد تواصل الحرب بأفغانستان، ولا نريد أعداء داخليين أو خارجيين، ولن يتعرض أي شخص من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي للأذى، وستستمر اتصالاتنا مع الدول الأخرى"، متعهداً "بعدم استخدام أراضينا منطلقاً لتهديد دول أخرى، أو إلحاق الضرر بالآخرين".

وفي سابقة بتاريخها الجهادي المتحيز، أكد ذبيح الله، أن "الإمارة ملتزمة بالحفاظ على حقوق المرأة في إطار الشريعة، وسيكون لها حضور نشيط"، مشيراً إلى أنه "بإمكان وسائل الإعلام الخاصة مواصلة عملها بحرية واستقلال، ولكن في ضوء الإطار الثقافي للحركة".

ووسط مخاوف من لجوئها لإغراق الغرب بالهيرويين لدعم الاقتصاد إذا قاطعتها المساعدات الدولية، أوضح أنه تم رصد الحشيش والمخدرات داخل كابول، ووعد بالتصدي لتجارة هذه الآفة وتصفيتها بمساعدة دولية.

ورغم حذر السكان وخروج عدد قليل من النساء واستمرار محاولات الآلاف الفرار خوفاً من حكمها المتشدد أو الانتقام لتأييدهم حكومة دعمتها واشنطن على مدى عقدين، عملت "طالبان" على إعادة تشغيل المرافق والمؤسسات في كابول بإصدارها "عفواً عاماً" عن كل موظفي الدولة، ودعوتهم للعودة إلى العمل وأداء واجباتهم من دون أي خوف.

وفي وقت سابق، دعت قيادة الحركة النساء إلى العمل والانضمام لحكومتها، والفتيات إلى الذهاب للمدارس، مؤكدة أن "الإمارة لا تريد أن تكون المرأة ضحية، ويجب أن تكون في هيكل حكومي وفق الشريعة".

من جهته، قال عضو اللجنة الثقافية بالحركة إنعام الله سمنغاني، في تصريح من القصر الرئاسي: "هيكل الحكومة ليس واضحاً تماماً، ولكن بناءً على التجربة فإنه يجب أن تكون هناك قيادة إسلامية بالكامل، ويجب على جميع الأطراف الانضمام إليها"، مضيفاً: "أفراد شعبنا مسلمون، ولسنا هنا لإجبارهم على الإسلام".

وفي واحدة من جملة رسائل إلى الأسرة الدولية، وطمأنة الشعب الأفغاني بضرورة ألا يخشى شيئاً منها، أكد رئيس اللجنة العسكرية الملا يعقوب أن "طالبان" أمرت مقاتليها بالحفاظ على الانضباط، وعدم دخول المنازل الخاصة أو أي مبانٍ دبلوماسية أو اعتراض أي سيارات تابعة لسفارات، مع ضمان احترام الأجانب.

وشدد الناطق باسم الحركة سهيل شاهين على أنها "لن تسمح لتنظيم القاعدة أو أي منظمة إرهابية أخرى بالعمل في أفغانستان، وأنها "ليست مهتمة بمهاجمة القوات الأميركية المنسحبة"، مشيراً إلى أن الحركة "تتلقى دعماً من الصين وروسيا وباكستان".

ومع استئناف عمليات الإجلاء بعد تعليق مؤقت لتدافع آلاف المستميتين على الفرار أمام الطائرات وإعاقتهم محاولات العديد من الدول لإجلاء دبلوماسييها ومواطنيها وبعض الموظفين المحليين، دخل مقاتلو "طالبان" مجمع مطار كابول وانتشروا داخل مرفقه المدني، قبل أن تتهمهم الحكومة الألمانية بنصب نقاط أمنية لضبط وإعاقة وصول متعاونين أفغان للمطار تمهيداً لإجلائهم.

وغداة اتهام الرئيس الأميركي جو بايدن الرئيس أشرف غني وحكومته بالفرار، وإصراره على عدم شعوره بأي ندم، كتب نائب الرئيس الأفغاني أمر الله صالح، في تغريدة: "وفقاً للدستور، في حالة غياب أو هروب أو استقالة أو وفاة الرئيس، يصبح نائبه الرئيس المؤقت، وأنا حالياً داخل بلدي، وأنا الرئيس الشرعي، وأتواصل مع جميع القادة لتأمين دعمهم وتوافقهم على منع تولي منظمة إرهابية السلطة".

وفي هذه الأثناء، وصل إلى إقليم قندهار رئيس المكتب السياسي للحركة الملا عبدالغني برادر، الذي ينتظر تنصيبه حاكماً لأفغانستان، قادماً من الدوحة، حيث بحث مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن التسوية السياسية الشاملة، وتحقيق المصالحة الوطنية والانتقال السلمي للسلطة.

وعقب أول اجتماع دبلوماسي بين مسؤولي "طالبان" وسفير موسكو، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تأييده لإطلاق "حوار وطني بمشاركة جميع القوى السياسية والإتنية والطائفية لتقرير مستقبل أفغانستان"، معتبراً أن تطمينات الحركة وتعهدها باحترام حرية التعبير عن الرأي إيجابية، وروسيا ليست في عجلة من أمرها للاعتراف بها.

وبينما انتقد أمين حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ فشل الأفغان في التصدي لسقوط كابول، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن "طالبان" أصبحت واقعاً ويتم التواصل معها وجميع الأطراف لدعم أمن واستقرار أفغانستان، مبيناً أن المحادثات مستمرة مع الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين حول أمن مطار كابول.