حلم «عشة» العمر
كل رب أسرة وفي كل بلد يحلم أن يسكن في بيت شيده وصمم أدق تفاصيله في مخيلته منذ الصبا، ومن البدهي أيضاً أن يكبر المرء ومن ثم يفهم الواقع أكثر وأكثر ليصبح ذاك الحلم شيئاً من الحقيقة، ولكن تصميم ذاك القصر الذي في مخيلته يضمحل ليصبح بيتاً يسكنه هو وأسرته، طبعاً كل هذا الكلام ينطبق على أي فرد وفي أي مكان حول العالم إلا في دولة الكويت، فالمواطن لا يستطيع إلا أن يحلم بـ«عشة» لا بيت، ولا يطولها أيضاً وإن فعل وَرّث لمن بعده الأعباء المالية. كيف تكون هذه الحال في بلد كالكويت؟! بلد الإنسانية والعطايا المليارية التي تصل إلى كل أصقاع العالم، يواجه بنك ائتمانها عجزاً في ملاءته المالية وتتضرر آلاف الأسر، وتتظاهر لإصدار أوامر بناء في منطقة «المطلاع» وطلبات سكن مواطنيها تصل إلى المئة ألف، ومشاكل الأسر تتفاقم بسبب أزمة السكن كذلك!! طبعاً إلى هنا فإن أزمة السكن في الكويت لا تقف ومعاناة الشعب تتعقد وتتشابك أكثر، فالشباب الكويتيون يسكن معظمهم بالإيجار والأسعار في ارتفاع ولا حياة لمن تنادي، فالموظف الكويتي هو «الوحيد» على مستوى العالم الذي لا يستطيع أن يقتني بيتا ولو بقرض سكني!! يا ترى، لمَ كل تلك المشاكل والتراكمات؟! ببساطة يحدث كل هذا بسبب احتكار الأراضي السكنية في الدولة من جهة، ومن جهة أخرى تأخر مشاريع الإسكان وتماشي الخطط مع واقعية الإنجاز، فتلك الصحراء الجرداء الخاوية تُعذب شبابها في السكن، المأهول من مساحاتها قرابة الـ5% والأراضي السكنية محتكرة لتجار عقار معروفين. هذا طبعا مع رشة «ملح وفلفل» من بلاوي غسل الأموال التي كنا نسمع بها إبان أحاديث أزمة العقار وكورونا مؤخراً لترتفع أسعار الأراضي في الكويت أكثر مما هي مرتفعة أصلا وتصبح هي (الأراضي) وبيت العمر «صرحاً من خيال» كما غنت الست أم كلثوم.
لكن المسمار الأخير في نعش قصة الأراضي السكنية والإسكان كان على شكل مشروع قانون أقره المجلس البلدي مؤخراً والذي يبارك فيه بنيان أربعة أدوار للقسائم السكنية. طبعاً وببساطة ارتفعت أسعار الأراضي بعد صدور القانون بساعات معززة احتكارها أكثر، وطبعاً بهذا يبارك المجلس البلدي «دك» البنى التحتية المتهالكة أصلا في المناطق الحضرية البسيطة، والمحزن حقاً أن المجلس البلدي الذي تأسس قبل أي مجلس مشابه له في المنطقة تصبح قراراته بهذا الشكل المنحاز لصالح البعض دون جل الفئات الشعبية ومصالحها في الدولة. عموماً هذا متوقع بطبيعة الحال والواقع المشوه الذي نعيشه هذه الأيام، ولا عزاء لبيت العمر والأسر المتضررة والمناطق السكنية المتهالكة، ولكن كلي أمل أن يرفض مشروع القانون هذا من الوزير المختص لنعود (على الأقل) لحفنة المشاكل الأولى والابتلاءات السكنية المعتادة دون الحاجة الى تلك الإضافة. على الهامش: عاد الموظف الكويتي والمقيم الى العمل بالنظام المعتاد هذا الأسبوع وبساعات العمل السابقة لموجات كورونا ليتذكر فقط كم هي متهالكة شوارعنا وأرصفتها حزينة، ومساحات البلاد جرداء خاوية، وحتى الطرق المعبدة حديثاً والمرممة يتطاير منها الحصى وغير متساوية، ليتمايل بها الموظف في سيارته يميناً وشمالاً، ليصاب بدوار البحر قبيل البصمة بدقائق مع ازدحام المرور، وكل عام والحكومة بألف خير.