مدينة الحرير... بالمشمش

خلصنا من تقوى الوزير جلال الدين الرومي في الإعلام، جاءنا المخلص ريتشارد قلب الأسد في وزارة التجارة. العاملون في رقابة المحلات عند وزارة ريتشارد للتجارة بمجرد أن يأتيهم بلاغ طالباني من أي "ملغوب" فارغ أو من مفتش سياسي من محاكم التفتيش الكويتية عن مخالفة مزعومة في دولة طريق الحرير تراكضوا لإزالتها، وإن لم يكن هناك أي مخالفة قانونية حقيقية، إلا أنها تُعتبر في ثقافة وزارة ريتشارد مخالفة شرعية وضد الثوابت الإسلامية، كما يفرضها فقهاء طالبان الخليج.

إزالة تمثال فينوس آلهة الحب في الميثولوجيا اليونانية "البلاستيكي" من أحد المحلات التجارية في مجمع 360، لا تختلف في مغزاها عن هدم تمثال بوذا في بانيان أفغانستان أيام "طالبان" طراز التسعينيات، الذين يختلفون عن المودرن طالبان اليوم، الذين- حسب كلام مشايخهم- سيسمحون للمرأة برفع الستار الحديدي عن وجهها، لكنهم يصرون على الحجاب حسب الشرع الإسلامي في دولة "بوست مودرنزم" الجديدة المتسامحة.

إزالة تمثال تاريخي عمره أكثر من ألف سنة يعد من معالم الحضارة الإنسانية وملكها، تشابه إزالة تمثال فينوس البلاستيكي من جانب وزارة ريتشارد قلب الأسد، فالتمثالان يخالفان مقاصد الشرع، ويُخشى أن يقف الناس غداً أمام المحل التجاري يتعبدون في صلاتهم الملحدة عند قدم فينوس آلهة الحب، فالحب هنا ممنوع، والرقص ممنوع، والجمال ممنوع، والفن والموسيقى- عدا الموشحات الدينية- أيضاً حرام، فنحن في النهاية بلد إسلامي كما يقول الدستور، والدولة كخيال قانوني (اعتباري) تصلي وتصوم وتزكي وتقوم بفرائض الإسلام الخمس.

الحكومة التي تعاني مرض "الفوبيا" من أي بلاغ يزعم مقدمه أن هناك مخالفة للشرع والعادات والتقاليد تنوي أن تصدر مرسوماً بقانون لمدينة الحرير... وبعدها سيفقس البيض ويتكاثر الصيصان وتشتري مزرعة للدجاج، وسيتدفق السياح والمستثمرون عليها، ويغلق عجز الميزانية بلمح البصر... وسنلهو بعدها في ربيع دائم، عندنا الحريات كلها من حرية التجشؤ بعد وجبة الغداء إلى حرية إطلاق ما في الأمعاء المنتفخة ساعة القيلولة... سيحدث كل ذلك قبل أن تتعثر الحكومة وتسقط، كي تشكل حكومة أخرى مثلها وبذات القياس الفكري في اختيار الوزراء... وانتهت الحكاية، والله يهني شعب الكويت مع هذه الأصنام الفكرية... فبعد عشرين سنة نعود للمعارك التافهة القديمة، و"ترا احنا ما نتغير ويا رب لا تغير علينا".

حسن العيسى