مع العودة التدريجية إلى كابول، رغم استمرار الشعور بالخوف، وعدت حركة «طالبان»، أمس، بأنها ستنهي حالة السرية والتخفي، لا سيما بالنسبة لقادتها، على النقيض مما كان الحال عليه قبل 20 عاما عندما كانوا يعيشون بشكل كبير في أماكن سرية، وأنها ستكون واضحة أمام العالم أجمع.

وقال مسؤول رفيع المستوى في الحركة طلب عدم نشر اسمه لـ«رويترز»، أمس: «بالتدريج سيرى العالم كل قادتنا، ولن يكون هناك تخفٍّ أو سرية».

Ad

وسبق أن خرج، أمس الأول وللمرة الأولى، الناطق الرسمي باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد، في مؤتمر صحافي على مرأى من الناس، حيث كان يعد «رجل ظل» لا يعرف أحد وجهه ولا ملامحه.

وأضاف المسؤول أن أعضاء الحركة سيشاركون في حوار سلمي مع مسؤولي الحكومة السابقين لضمان شعورهم بالأمان، مشيراً إلى أن القيادي الكبير في الحركة وأحد زعماء «شبكة حقاني»، أنس حقاني، اجتمع في كابول مع الرئيس السابق حامد كرزاي ومبعوث السلام في الحكومة السابقة عبدالله عبدالله لإجراء محادثات.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر، لم تكشف هويتها، القول إن الاجتماع تم في منزل عبدالله عبدالله بالعاصمة كابول.

وأضاف أن «من المبكر الحديث عما إذا كانت الحركة ستضم أعضاء من الحكومة السابقة للحكومة الجديدة».

وقال إن «أعضاء الحركة صدرت لهم أوامر بعدم الاحتفال ليثبتوا تفوّقهم، فالنصر ملك لأفغانستان»، مشيراً إلى أن على المدنيين أن يسلموا أسلحتهم وذخيرتهم، وقال إن أي شكوى يتقدم بها مدنيون ضد أي عضو من أعضاء الحركة سيتم التحقيق فيها سريعا.

وفي وقت سابق، عقد رئيس المكتب السياسي للحركة الملا عبدالغني برادر اجتماعات مع زعماء وشيوخ القبائل وعلماء الدين في قندهار الجنوبية، بعد أن وصلها أمس الأول قادما من الدوحة، للبحث في «تشكيل نظام شامل».

حرس حدود باكستان في حالة تأهب

وُضعت قوات أمن الحدود الباكستانية في حالة تأهب قصوى بعدما أفادت تقارير بأن مئات عدة من الإرهابيين من جماعات مثل تنظيم «داعش» و«القاعدة» و«حركة طالبان باكستان» قد فروا من السجون الأفغانية بعد سقوط كابول في أيدي «طالبان». وأكدت «طالبان باكستان»، وهي مظلة تضم العديد من الجماعات المسلحة، إطلاق نائب زعيمها السابق مولوي فقير محمد، المعروف أيضاً بعلاقاته الوثيقة مع زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، من جانب «طالبان أفغانستان».

واعتقلت السلطات الأفغانية مئات عدة من مقاتلي «طالبان باكستان» الذين انضموا إلى «داعش» عندما ظهر التنظيم في مناطق من باكستان وأفغانستان، وقبعوا في السجن.

في المقابل، أعلنت الدول الغربية أنها ستحكم على أفعال «طالبان» لا أقوالها بأنها عفت عن خصومها وستحمي حقوق النساء. وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خلال جلسة استثنائية للبرلمان: «سنحكم على هذا النظام بناء على خياراته وسلوكه حيال الإرهاب والجريمة والمخدرات، كذلك على حقّ وصول المساعدات الإنسانية وحقوق الفتيات في الحصول على التعليم»، مضيفاً: «نحن متوافقون على واقع أن الاعتراف بنظام جديد في كابول في وقت سابق لأوانه وبشكل ثنائي سيشكل خطأً من جانب أي بلد كان».

وفي حين أكد قائد الجيش البريطاني الجنرال نيك كارتر أن «طالبان» تغيّرت وتتصرف بطريقة حضارية مع قواته المتبقية وتتعاون مع عناصرها في عملية الإجلاء بسلاسة، طلب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان من الحركة تقديم أدلة ملموسة على أنها غيرت سلوكها.

لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أعربا عن قلقهما ودعوا الحركة إلى تجنّب «كافة أشكال التمييز وسوء المعاملة» تجاه النساء في التعليم والعمل وحرية التنقل. وفي بيان مشترك وقعت عليه أيضاً 19 دولة أخرى بينها المملكة المتحدة، أكدت أنها «تراقب من كثب كيف تضمن أي حكومة مستقبلية حقوق وحريات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة النساء والفتيات في أفغانستان على مدار العشرين عاماً الماضية».

تركيا وروسيا

وفي تركيا، اعتبر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن الأوضاع تغيرت بعد سيطرة «طالبان» على الحكم، مشيراً إلى أن الأولوية تنصب حالياً على استكمال عمليات الإجلاء، وانتظار نتائج المفاوضات الداخلية لاتخاذ قرار بشأن دور تركيا المستقبلي في تأمين مطار كابول.

وحول عدم وجود لقاءات مباشرة مع «طالبان»، قال جاويش: «أميركا تجلس معها وتوقع اتفاقيات ولا مشكلة، لكن عندما تلتقي تركيا بها توجد مشكلة، ونحن بحاجة للقاء الجميع من أجل مصالحنا، وهذا لا يعني أننا مع طالبان، أو أننا نقبل أيديولوجيتها، الصين وروسيا وإيران تجري لقاءات معها، ويعد ذلك أمرا براغماتيا وطبيعيا».

وفي روسيا، أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين بحث مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي مستجدات الوضع، وأعربا عن استعدادهما للمساعدة في إحلال الأمن والاستقرار في أفغانستان.

وأكدت الخارجية الروسية أن التصريحات والتصرفات الأولية الصادرة عن «طالبان» تشير إلى إمكانية حل المشكلات الداخلية عبر مفاوضات تشمل جميع القوى المحلية والسياسية والعرقية والدينية، موضحة أن وزيرها سيرغي لافروف ناقش مع نظيره الكازاخستاني مختار تلاوبردي الوضع واتفقا في وجهات النظر.

وفي بكين، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو لي جيان «الاستمرار في مساعدة جهود استعادة السلام وتقديم كل مساعدة ممكنة لتحفيز تنميته الاجتماعية والاقتصادية»، معتبراً أنه «لا يمكن الحديث عما إذا كانت الصين ستقيم علاقات دبلوماسية جديدة، إلا بعد تشكيل حكومة متسامحة ومنفتحة تمثل مصالحها».

بوادر مواجهة

وعلى الأرض، ظهرت أمس، ثاني بوادر مواجهة حكم «طالبان»، مع خروج احتجاجات ضدها في جلال أباد ومحاولة رفع العلم الوطني في أحد ميادين المدينة، وتعامل عناصرها معهم بإطلاق الرصاص مما أدى لمقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 10، بحسب شهود ومسؤول سابق بالشرطة ومقاطع فيديو وصور تداولها ناشطون على منصات التواصل.

وعشية خروج أول تظاهرة نسائية بكابول تطالب الحركة بالحصول على حقوقهن في التعليم والعمل، في مختلف القطاعات، تجسدت أول بوادر المقاومة المحتملة بإعلان نائب الرئيس السابق أمر الله صالح أنه أصبح الرئيس الشرعي وفقاً للدستور، مؤكداً انه «يتواصل مع جميع القادة لتأمين دعمهم وتوافقهم على منع تولي منظمة إرهابية السلطة».

المساعدات الدولية تعقّد وضع «طالبان» المالي

وعدت حركة «طالبان» بتحسين الاقتصاد الأفغاني، لكن من دون تأمين مساعدات دولية أو الوصول إلى الاحتياطي الموجود في الخارج فإن مستقبل البلاد، أحد أفقر دول العالم، يبدو معقداً.

وأعلنت بعض الدول من الآن تجميد دعمها، ولا يزال صندوق النقد الدولي صامتاً، لكن يمكن أن يضطر لتجميد مساعدته المالية للبلاد.

وقالت فاندا فيلباب براون، المتخصصة في شؤون أفغانستان في «معهد بروكينغز»، إن «أفغانستان تعتمد بشدة على المساعدات الخارجية»، مشيرة إلى أن قيمة المساعدة «أكبر بمعدل 10 مرات على الأقل من عائدات طالبان».

وفي عام 2020، بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان 19.81 مليار دولار فيما شكل تدفق المساعدات 42.9% من إجمالي الناتج الداخلي حسب أرقام البنك الدولي.

وقال البنك الدولي «يتسم اقتصاد أفغانستان بهشاشته واعتماده على المساعدات الدولية»، لافتا الى أن التنمية الاقتصادية وتنويع القطاع الخاص «تعرقلا حتى الآن بسبب انعدام الأمن، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف المؤسسات، وعدم كفاية البنى التحتية، والفساد المعمم».

أما بالنسبة لعائدات «طالبان»، فإنها تقدر بين 300 مليون وأكثر من 1.5 مليار دولار في السنة، حسب تقرير لجنة العقوبات لدى مجلس الأمن الذي نشر في مايو 2020.

وتُحصّل «طالبان» عائداتها بشكل أساسي من الأنشطة الإجرامية، بدءا بزراعة الخشخاش الذي يستخرج منه الأفيون ثم الهيروين وبالتالي من تهريب المخدرات لكن أيضا من ابتزاز شركات محلية وفديات تحصل عليها بعد عمليات خطف وتحصيل الضرائب.

وفيما تدهور الوضع الاقتصادي بشكل إضافي مع انتشار وباء «كورونا»، أقرت «طالبان» بأن تحسن الاقتصاد لا يمكن أن يتم بدون مساعدة من الخارج.

ولاحقاً، أكد مصدر عسكري أن قوات مؤيدة لصالح استعادت السيطرة على منطقة شاريكار في إقليم باروان شمال العاصمة، مبيناً أن «القتال يدور الآن في منطقة بنجشير القريبة من مدينة مزار شريف الرئيسية، بدعم من 10 آلاف جندي أرسلهم الجنرال عبدالرشيد دوستم إلى المنطقة، التي يتحصن بها نجل الزعيم الراحل أحمد مسعود».

وفي مدينة أميان وسط أفغانستان، قطع أمس رأس تمثال الزعيم السياسي لأقلية الهزارة الشيعية عبدالعلي مزاري، الذي قُتل عام 1995 بسجن لدى «طالبان». وأفاد أحد السكان أن «التمثال دُمّر ليلاً بواسطة متفجرات، مما أدّى إلى تحطيم رأس في وجود مجموعات مختلفة من الحركة بعضها معروف بوحشيته».

ومع إعلان وزارة الخارجية الإماراتية أنها «استقبلت الرئيس أشرف غني وعائلته لاعتبارات إنسانية»، أعلنت السفارة الأفغانية في طاجيكستان، أمس، اعترافها بنائبه أمر الله صالح رئيساً لأفغانستان.

كما طالبت السفارة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) بإلقاء القبض على غني ومستشار الأمن القومي السابق حمد الله محب، ورئيس مكتب الرئيس السابق فضل محمود فضلي، متهمة إياهم «بسرقة الأموال العامة».

تواصل الإجلاء

في غضون ذلك، تواصل إجلاء الدبلوماسيين والأفغان المتعاونين معهم من كابول. وأفادت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بأن 18 طائرة «طراز C17» أقلت نحو 2000 شخص 325 منهم أميركيون خارج أفغانستان خلال الساعات الـ24 الماضية.

وفيما ذكر «البنتاغون» أنه تلقى طلباً من الخارجية لتوفير إسكان مؤقت في الولايات المتحدة لما يصل إلى 22 ألف أفغاني، واصل الجسر الجوي تسيير طائرات من العالم أجمع إلى مطار كابول، الذي اجتاحته حشود تريد الفرار. وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ عن «إرسال طائرات إضافية لتأمين الاجلاء». وأوضحت الحكومة البريطانية أنها أجلت 306 بريطانيين و2052 أفغانياً، مشيرة إلى أنها أطلقت إجراءات جديدة تهدف إلى استقبال 20 ألف لاجئ على «المدى الطويل»، بينهم 5 آلاف في السنة الأولى.

وفي وقت قال شهود عيان، إن المئات يخيمون في المنطقة المحيطة بالمطار من أجل المغادرة، أظهرت تسجيلات مصورة عناصر الحركة يضربون بالعصي عدداً من المتواجدين، قبل ان تؤكد إقامتها نقاط تفتيش أمنية، مما أثار مخاوف من اعتزمها إعاقة الإجلاء.

وقال مسؤول من طالبان إن قادة عسكريين وجنودا أطلقوا النار لتفريق الحشود، مؤكداً أن حالة من الفوضى ما زالت مستمرة خارج المطار، واللوم فيها يقع على عاتق «خطة إجلاء فوضوية» تنفذها القوات الغربية.

بايدن وإدارته يكافحان لإنقاذ مصداقية واشنطن

عندما ظهر الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض في 8 يوليو الماضي للتأكيد أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يمضي على قدم وساق، أعلن أن سيطرة حركة طالبان على البلاد ليست حتمية.

لكن بعد 5 أسابيع فقط، سيطرت «طالبان» على مقاليد الأمور، ووقف العالم مذهولاً أمام مشاهد الفوضى في مطار كابول أثناء إجلاء أميركيين ومواطنين أفغان متحالفين مع الولايات المتحدة، وسارع بايدن إلى الدفاع عن نفسه بعد سلسلة تقديرات خاطئة نالت من مصداقية الولايات المتحدة.

وبينما أصر بايدن على أن المسؤولية تقع على عاتقه، وجه اللوم إلى آخرين على النهاية المهينة لتدخل أميركي على مدى 20 عاماً في أفغانستان، شمل إخفاقات لأربع إدارات، اثنتان جمهوريتان وأخريان ديموقراطيتان.

وانتقد بايدن الجيش الأفغاني لرفضه القتال، وندّد بالحكومة التي أطاحت بها «طالبان»، معلناً أن سلفه الجمهوري دونالد ترامب ترك له اتفاق انسحاب سيئاً.

وتولى بايدن الرئاسة بعد حملة قدم نفسه خلالها على أنه «رجل دولة عالمي» له باع طويل بعد فترة رئاسة ترامب العاصفة. وسرعان ما أعاد بلاده إلى اتفاقات عالمية انسحب منها ترامب، وسعى لإحياء تحالفات تقليدية أدار لها ترامب ظهره. لكن أول تحد عالمي كبير يواجهه أشعل انتقادات سياسية مكثفة، حيث أثار ديمقراطيون وجمهوريون على حد سواء تساؤلات بشأن استراتيجيته.

وتبين خطأ توقعات للاستخبارات الأميركية بأن «طالبان» قد تسيطر على البلاد بعد 3 أشهر من الانسحاب الأميركي. كما قوبلت اقتراحات قادة عسكريين أميركيين بنهج أكثر تخطيطا للانسحاب بالرفض.

ووقف مستشار الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض جيك سوليفان، أمس الأول، لتقديم دفاع واسع النطاق عن أفعال بايدن، وقال إن التلميح إلى دعم الحكومة الأفغانية «كان قرارا مدروسا» لكنه لم ينقذه، مضيفاً: «عندما تنهي 20 عاماً من العمل العسكري في حرب أهلية في بلد آخر، مع تداعيات قرارات متراكمة، يتعين اتخاذ الكثير من القرارات الصعبة، بدون أي نتيجة خالية من الشوائب لأي منها».

وذكر سوليفان: «رغم أن الصور من مطار كابول تفطر القلب، فقد كان على الرئيس بايدن التفكير في التكلفة البشرية للمسار البديل أيضا، وهو البقاء في قلب صراع أهلي في أفغانستان».

ومع تزايد الإحباط بسبب الأحداث في أفغانستان، يريد أعضاء في الكونغرس فتح تحقيق لمعرفة الخطأ الذي حدث.

وقال السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، إنه يعتزم التعاون مع لجان أخرى «لتوجيه أسئلة صعبة لكن ضرورية» بشأن سبب عدم استعداد الولايات المتحدة على نحو أفضل للتعامل مع انهيار الحكومة الأفغانية.

وذكر الجمهوريون في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في خطاب إلى البيت الأبيض أمس الأول: «كان من الممكن تجنّب الأزمة الأمنية والإنسانية التي تتكشف في أفغانستان الآن لو كنت أعددت أي تخطيط».

وكان للأزمة تداعيات على ما يبدو، فقد انخفضت شعبية بايدن 7 نقاط مئوية وبلغت أدنى مستوياتها منذ توليه السلطة في يناير مسجلة 46 في المئة، وفقاً لاستطلاع لـ «رويترز-إبسوس».

ويدير بايدن الأزمة من منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ماريلاند. ولم يتحدث لعدة أيام مع أي زعيم أجنبي بشأن أفغانستان، لكنه تحدث مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس الأول، واتّفق وإيّاه على تنظيم قمّة افتراضية لمجموعة الدول السبع حول هذا الملف الأسبوع المقبل.