استمتعت كثيراً بقراءة كتاب الصديق د. جمال عبدالرحيم «الخصخصة العرجاء»، وهو كتاب وإن كان مشبعاً بالسياسة إلا أن الدكتور دخل للسياسة من باب اقتصادي كبير، فتطرق إلى كل عيوب الخصخصة الكويتية وآثارها على السياسة، ولأن د. جمال من المتخصصين في الاقتصاد والإدارة فقد أبدع في تسليط الضوء على عيوب الخصخصة وتداخلها بالسياسة أيما إبداع، وأنا في هذا المقال لن أتطرق إلى الموضوعات القيمة التي تطرق لها الكاتب وإنما سأتحدث عن الجانبين اللذين أهتم بهما في مجال الخصخصة، وهما المجتمع وشفافية الأنشطة.فالحديث عن خصخصة الخدمات الحكومية لن يكون مجدياً للدولة والمواطن إلا إذا تمت تهيئة القطاع الخاص بالطريقة التي يكون من خلالها منتجاً قادراً على النهوض بدوره كاملاً لا أن يكون عالة على الدولة، فقبل أن ترتفع الأصوات الاقتصادية مطالبة بتحويل الخدمات الحكومية الى القطاع الخاص من الواجب على القطاع الخاص تأهيل نفسه بمساعدة الجهات الحكومية والخاصة وبالشكل الذي يتناسب مع الأدوار الخدمية الكبيرة التي يطالب بها.
فلا يمكن أن يكون القطاع الخاص مهيأً لأعمال كبرى إلا بعد أن يمتلك مقومات القوة الحقيقية وبعد أن يمتلك أرضية صلبة يقف عليها، ومن أهم مقومات القوة إنشاء نظام ضريبي واضح المعالم يحد من فوضى الأرباح التي يستفيد منها عدد محدود من المواطنين رغم أن معظم أسبابها قائم على ما تقدمه الدولة من تنازلات عن حقوقها وحقوق المجتمع من خلال تنازلها عن العائدات الرسمية والاجتماعية على رأس المال، وبسبب التوجه الاستهلاكي للمواطنين. كما أن من الضروري إنشاء لوائح لعمل الكويتيين في القطاع الخاص قائمة على توصيف دقيق لهذه الوظائف وإشراك المواطن في نشاط القطاع الخاص من خلال توفير الوظائف التي توفر الأمن الاجتماعي للمواطن بالشكل الذي يضمن حصول مؤسسات القطاع الخاص أيضاً على ولاء الموظف الذي يسهم بالتبعية في جودة العمل وتحسين مخرجات العملية الإنتاجية.وتحسين بيئة العمل الخاص يحتاج إلى إقرار قوانين دقيقة وواقعية لاستفادة الدولة من أراضيها ومنشآتها من خلال ضمان تحصيل عادل لحقوقها، وهو ما سيسهم في توفير أرضية موحدة للمنافسة بين مؤسسات القطاع الخاص أيضاً.ولعل المنافسة العادلة لا تتوقف على تحصيل رسوم الاستفادة من الممتلكات العامة فقط، وإنما من الضروري إقرار قانون للمناقصات أكثر وضوحاً ودقة لتوفير أرضية تنافس عالية الجودة بين المؤسسات بعيداً عن استفادة البعض على حساب البعض الآخر، خصوصا أن الإنفاق الحكومي هو الشريان التاجي للقطاع الخاص في معظم الدول.ومن شأن ذلك كله أن يحقق بعض الأعراض الجانبية الإيجابية والمهمة جداً لمؤسسات القطاع الخاص مثل التداخل بين هذا القطاع وأفراد المجتمع بدل النفور والريبة الحاليان، وارتفاع أهمية دور القطاع الخاص في المساهمة بإيرادات الدولة بدل دور الدولة المحوري في ضخ الحياة في القطاع الخاص.إن كل ذلك لن يتحقق إلا بتعاون المؤسسات المالية المتخصصة للدولة والجهات التي تمثل القطاع الخاص وأهمها غرفة التجارة والصناعة، خصوصا أن إدارة الغرفة الحالية قادرة على صناعة التغيير بشكل كبير لما تمتلكه من خبرات وقدرة على تقديم دراسات هادفة تسهم في إعادة بناء العلاقة بين القطاع الخاص والدولة والمجتمع.
مقالات - اضافات
وجهة نظر: خصخصة عرجاء
20-08-2021