في تحرك فتح الباب على مصراعيه أمام احتمال تأجيج الأزمة السياسية والاقتصادية الداخلية وإمكانية الدخول في مواجهة عسكرية إقليمية، كشف الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله، أن سفينة محملة بالوقود ستبحر من إيران، الخاضعة لعقوبات دولية وأميركية، صوب لبنان خلال الساعات المقبلة، وذلك في كلمة له، أمس.ومن دون الإشارة إلى أخذ إذن قانوني من مؤسسات الدولة، أضاف نصرالله: «ستتبع هذه السفينة سفينة أخرى وسفن أخرى، والمسألة ليست مسألة سفينة واحدة، بل سيتبعها عدة سفن».
وفي ظل احتمال تعرض الناقلة الإيرانية لضربة إسرائيلية انتقامية ضمن ما يعرف بـ «حرب السفن الخفية»، اعتبر نصرالله أن «السفينة منذ اللحظة التي ستبحر فيها وتصبح في المياه ستصبح أرضاً لبنانية. أقول للأميركيين وللإسرائيليين هي أرض لبنانية، ولا تدخلوا معنا في تحد يرتبط بعزة شعبنا وإذلال شعبنا. لو سمح للبنانيين بأن يعيشوا حياتهم الطبيعية لما كنا بحاجة إلى أن نذهب في هذا الخيار».واستطرد قائلا: «رغم الحصار والعقوبات على إيران والضغوط عليها فهي لم تتخل يوماً عن حلفائها، ولم تخذل أصدقاءها. إيران على مدى 40 عاماً لم تتدخل في الشؤون اللبنانية، وقرارنا هو بأيدينا».ووصف نصرالله أزمة المحروقات الخانقة، التي تهدد بشل عمل العديد من القطاعات الحيوية مثل المستشفيات والأفران والجامعات ومحطات توليد الكهرباء، بأنها «حرب اقتصادية لخدمة إسرائيل».واتهم السفارة الأميركية في بيروت بإدارة «الحرب الاقتصادية والإعلامية»، ورأى أنها «ليست تمثيلاً دبلوماسياً بل هي سفارة تواطؤ على الشعب اللبناني. أقول لمن يعتمد على الأميركيين وسفارتهم في بيروت أن يأخذوا تجربة أفغانستان بعين الاعتبار».
تصدي الحريري
وعلى الفور، رد رئيس الوزراء السابق سعد الحريري على خطاب «نصر الله»، قائلاً: «حزب الله يعلم أن أساس أزمة المحروقات في لبنان نشأ عن التهريب المتعمد لخدمة النظام السوري، والأجدى في هذه الحالة وقف التهريب بدل (تمنين) اللبنانيين بالحصول على المازوت الإيراني».وأضاف الحريري في بيان: «يعلم الحزب أن سفن الدعم الإيرانية ستحمل معها إلى اللبنانيين مخاطر وعقوبات إضافية على شاكلة العقوبات التي تخضع لها فنزويلا ودول أخرى»، مشيراً إلى أن «اعتبار السفن الإيرانية أراضي لبنانية يشكل قمة التفريط في سيادتنا الوطنية، ودعوة مرفوضة للتصرف مع لبنان كما لو أنه محافظة إيرانية. ونحن بما نمثل على المستوى الوطني والسياسي لن نكون تحت أي ظرفٍ غطاء لمشاريع إغراق لبنان في حروب عبثية تعادي العرب والعالم».وتابع: «نعم، إن إيران تعطل تأليف الحكومة وإلا كيف تجيز الدولة الإيرانية لنفسها مخالفة القوانين الدولية فتقبل إرسال السفن إلى لبنان من دون موافقة الحكومة اللبنانية؟ فهل نحن في دولة تسلّم فيها حزب الله كل الحقائب الوزارية، من الصحة إلى الاقتصاد إلى الدفاع إلى المرافئ والأشغال العامة. له ساعة يشاء أن يطلب الدواء من إيران، وأن يستدعي السفن الإيرانية المحمّلة بالمازوت والبنزين، وأن يهدد بإدخالها بحراً وبراً، جهاراً نهاراً، رغماً عن السلطات العسكرية والأمنية؟!».وأكد: «نعم، المواقف التي سمعناها قبل قليل تقول للبنانيين إنهم لا يريدون حكومة. فأي حكومة هذه التي يريدونها أن تفتتح عملها باستقبال السفن الإيرانية والاصطدام مع المجتمع الدولي، في وقت أحوج ما يكون فيه لبنان إلى حكومة تحظى بدعم الأشقاء والأصدقاء».وشدد على أن «حزب الله» يستطيع أن يحصل على تأشيرة تواطؤ مع «العهد»، في إشارة إلى الرئيس ميشال عون، «وأن يغطي نفسه بصمت الفريق الرئاسي، لكنه لن يحصل من أكثرية اللبنانيين على إجازة مرور لتسليم لبنان للسطوة الإيرانية».رفض وتهديد
وتزامن رفض الحريري مع إطلاق عدة شخصيات وقيادات حزبية ومجتمعية لمواقف منددة بخطوة «حزب الله» التي تنذر بإدخال البلاد في مواجهة مع المجتمع الدولي.وتوجه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إلى رئيس الجمهورية بالقول: «لأسابيع خلت والشركات الخاصة وبعض القطاع الخاص يحاول أن يحصل من وزير الطاقة، الذي هو وزيركم، على أذونات لاستيراد البنزين والمازوت بأسعاره الحقيقية وطرحه في السوق بأسعاره الحقيقية بعد أن عجزت الدولة عن تأمينه مدعوماً لكن لم يستجب وزير الطاقة، وإذ بنا نفاجأ بأن حزب الله، إذا صحت أقواله، سيأتي بباخرة مازوت ويفرغها أغلب الظن في مصفاة الزهراني، فهل يا فخامة الرئيس تتركون الحزب الذي صادر القرار الاستراتيجي والعسكري والأمني، أن يصادر اليوم القرار الاقتصادي ضارباً باللبنانيين ومصالحهم عرض الحائط ومسقطاً القطاع الخاص نهائيا؟». وحمل رئيس «القوات» عون المسؤولية كاملة عما يلحق بالبلد من «كارثة حقيقية» جراء عدم تحرير استيراد النفط والأدوية.وألقت خطوة «حزب الله» بظلال ثقيلة على التقدم الذي أحرزه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بشأن تشكيل فريقه الوزاري. وذكر بيان للرئاسة أن ميقاتي يواجه مطالب متزايدة من آخرين بشأن تشكيل الحكومة الأمر الذي أدى إلى تأجيلها، وقد يدفعه للاعتذار.ولاحقاً، أكد مكتب ميقاتي أن الأخير يقدّر لعون «إيجابية الموقف»، وأنه سيستمر في مسعاه لتشكيل الحكومة وفق «الأسس المعروفة»، متمنيا للجميع إقران الإيجابيّات المعلَنة بخطوات عمليّة لتسهيل مهمّته، وتشكيل الحكومة في أسرع وقت.من جانب آخر، ذكرت الرئاسة اللبنانية عبر «تويتر»، أن عون تلقى اتصالاً هاتفياً من سفيرة الولايات المتحدة، دوروثي شيا، أبلغته خلاله بـ «قرار الإدارة الأميركية مساعدة لبنان في استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سورية عن طريق الغاز المصري».