مع إعلان حركة «طالبان» قيام «إمارة أفغانستان الاسلامية»، بعد مرور 4 أيام من خضوع العاصمة كابول لسيطرتها، تواصلت ظهور بوادر المعارضة الشعبية والمقاومة المسلّحة للحركة التي أكدت موسكو أنها «لا تسيطر على كل الأراضي»، بينما وصفها الرئيس الأميركي جو بايدن بأنها «غير قابلة لتغيير معتقداتها الأساسية».

ولليوم الثاني على التوالي، شهدت أفغانستان أمس، المزيد من التظاهرات احتجاجاً على سيطرة «طالبان» على الحكم، بما في ذلك تظاهرات في العاصمة كابول.

Ad

ورفع المشاركون في تظاهرة العاصمة، التي ضمت نحو 100 شخص، العلم الوطني الأفغاني بألوانه الأحمر والأسود والأخضر، في إشارة متزايدة للاحتجاج على حركة «طالبان»، التي علمها أبيض اللون ويحمل عبارة الشهادة، وفيما بات يُعرف بـ «انتفاضة العلم».

وهتف المتظاهرون بينهم نساء: «عاشت أفغانستان» و«علمنا فخرنا» و«علمنا هويتنا» وهم يلوحون بالعلم الوطني في يوم عيد الاستقلال الذي تحيي فيه أفغانستان كل عام في 19 أغسطس ذكرى استقلالها عن بريطانيا في 1919.

وفي مدينة أسد أباد عاصمة إقليم كونار في شرق البلاد، خرج مئات الأشخاص إلى الشوارع، وعمد المحتجون إلى إنزال علم «طالبان» وتمزيقه واستبداله بعلم أفغانستان، لكن مسلّحي الحركة قتلوا عدة أشخاص خلال المسيرة.

كما خرج محتجون إلى أحد أحياء باكتيا وإلى الشوارع في مدينة جلال أباد، حيث قتلت «طالبان» قبل يوم 3 أشخاص، في شرق البلاد.

وقالت وسائل إعلام، إنه كانت هناك مشاهد مماثلة في مدينة خوست الواقعة في شرق البلاد أيضاً، حيث خرج متظاهرون في مختلف المناطق، للتعبير عن غضبهم من سيطرة «طالبان» التي فرضت حظر تجوّل شامل على المدينة التي يعيش فيها نحو 650 ألف نسمة.

ويبدو أن طريقة تعامل الحركة مع الاحتجاجات، التي شهدت تمزيق محتجين لرايات «طالبان»، قد تحدد مدى ثقة الناس في تطميناتها بأنها تغيرت عما كانت عليه خلال فترة حكمها السابقة للبلاد بين 1996 و2001 والتي شهدت فرض قيود صارمة على النساء وتنظيم إعدامات علنية وتفجير تماثيل بوذية أثرية.

كما اقتحم مسلحو «طالبان» منزل قيوم رحيمي، حاكم ولاية لوكر السابق في وسط أفغانستان، وأخرجوه إلى الشارع عنوة وقتلوه بالرصاص، مع شقيقه سلام.

يأتي ذلك بعد أقل من أسبوع من استسلام رحيمي لـ «طالبان».

دعم الاحتجاجات

من ناحيته، عبّر أمر الله صالح، النائب الأول للرئيس الأفغاني السابق، الذي يحاول حشد معارضة ضد «طالبان»، عن دعمه للاحتجاجات.

وكتب على «تويتر» أمس، «تحياتي إلى من يرفعون العلم وبهذا يدافعون عن كرامة الأمة».

وأضاف أن «أفغانستان كبيرة جداً على طالبان لحكمها».

كما تعهّد صالح بعدم الخضوع لـ«طالبان» وتراجع إلى وادي بنجشير في شمال شرقي كابول، وهي المقاطعة الوحيدة التي لم تسقط بعد في يد «طالبان».

وظهر صالح في صور على مواقع التواصل الاجتماعي مع أحمد مسعود في هذه المنطقة وهما يرسيان أسس حركة مقاومة.

من ناحيته، طالب أحمد مسعود، نجل زعيم «تحالف الشمال»، القائد أحمد شاه مسعود الذي اغتاله تنظيم «القاعدة» في 2001 في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» بدعم أميركي بالأسلحة والذخائر للميليشيا التي يقودها في أفغانستان من أجل مقاومة «طالبان».

وأكد مسعود أن جنود الجيش الأفغاني ووحدات القوات الخاصة استجابوا لدعوته وهم يتجهون حالياً بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى ولاية بنجشير.

وأضاف: «مهما حدث، فإنني ومقاتلي بلدي سندافع عن بنجشير كآخر معقل للحرية الأفغانية. وروحنا القتالية سليمة. ونعرف من خبرتنا ما الذي يتوقعنا. ونحتاج إلى المزيد من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية».

وكتب يقول «أكتب اليوم من وادي بنجشير، مستعداً للسير على خطى والدي، مع المقاتلين المجاهدين المستعدين لمواجهة طالبان مرة أخرى».

وأضاف: «طالبان مشكلة ليست للشعب الأفغاني وحده. وفي ظل سيطرة طالبان، ستصبح أفغانستان بلا شك نقطة للإرهاب الإسلامي المتطرف، والمؤامرات ضد الديمقراطيات ستتوالد هنا مرة أخرى».

وأفاد مصدر عسكري في كابول سابقاً، بأن جنود الجيش الأفغاني الذين رفضوا الاستسلام والجماعات المسلحة للمارشال عبدالرشيد دوستم، وعددهم نحو 10 آلاف شخص، توجهوا إلى وادي بنجشير للانضمام إلى حركة المقاومة. كما نقلت وسائل إعلام عن مصدر عسكري أن قوات نائب الرئيس عمر الله صالح، استعادوا السيطرة على منطقة جاريكار في ولاية بروان وسط أفغانستان، مضيفاً أن المعارك لا تزال مستمرة في بنجشير.

لافروف

وفي موسكو، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي، أمس، أن «طالبان لا تسيطر على كل الأراضي الأفغانية. تصل معلومات عن الوضع في وادي بنجشير حيث تتمركز قوات المقاومة التابعة لنائب الرئيس صالح وأحمد مسعود».

ودعا لافروف مجدداً إلى «حوار وطني يسمح بتشكيل حكومة تمثيلية».

في غضون ذلك، وبعد مرور أربعة أيام من خضوع كابول لسيطرتها، أعلنت «طالبان» أمس قيام «إمارة أفغانستان الإسلامية».

وفي تدوينة له على «تويتر»، كتب الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، أن «إعلان طالبان إنشاء الإمارة يأتي تزامنا مع مرور 102 عام على استقلال أفغانستان» الذي أنهى الحكم البريطاني في هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى.

من ناحية أخرى، نفى مجاهد نية الحركة قطع العلاقات التجارية مع أي دولة أخرى، مشدّداً على أنها «تريد علاقات دبلوماسية وتجارية جيدة مع جميع الدول».

بدوره، قال القيادي في «طالبان» وحيد الله هاشمي، إن الحركة «لن تعتمد النظام الديموقراطي في أفغانستان على الإطلاق لعدم وجود قاعدة له في بلدنا، وستتبع القوانين الإسلامية».

مطار كابول

من ناحية أخرى، لا تزال الفوضى مستمرة في مطار كابول ومحيطه، مع بقاء مئات الأفغان ممن افترشوا الأرض ليلاً متمسكين بأمل الخروج من البلاد، فيما دعت الحركة المحتشدين إلى المغادرة، لاسيما من لا يملك أوراقاً رسمية تخوله السفر إلى الولايات المتحدة أو غيرها من البلدان.

وأعلن مسؤولون من «طالبان» وحلف شمال الأطلسي، أمس، أن 17 شخصاً قتلوا في المطار ومحيطه منذ الأحد.

وفي وقت اتهمت مساعدة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان «طالبان» بعدم الوفاء بوعودها عبر السماح للأجانب فقط بمغادرة البلاد وليس للأفغان، صرح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن الولايات المتحدة ستجلي «أكبر عدد ممكن» من الراغبين في الرحيل من أفغانستان، لكنه اعترف بأنه لا يمكن ضمان وصول آمن إلى المطار المحاط بنقاط تفتيش لـ»طالبان». الا أن مسؤول في الحركة قال: «نعمل على تسهيل ممر آمن ليس للأجانب فحسب ولكن للأفغان أيضاً».

بايدن

وبعدما واجه انتقادات حادة وعزلة منذ استيلاء «طالبان» على السلطة، لم يستبعد الرئيس الأميركي جو بايدن في مقابلة مع شبكة ABC بثت، أمس، أن يضطر لإبقاء جنود أميركيين في مطار كابول بعد الموعد النهائي للانسحاب المحدد في 31 أغسطس إذا لم يتم إجلاء جميع الرعايا الأميركيين الذين ما زالوا في البلاد حتى ذلك الوقت.

أضاف: «إذا بقي مواطنون أميركيون بعد 31 أغسطس سنبقى حتى نخرجهم جميعاً».

وقال بايدن: على «طالبان» أن تقرر إن كانت تريد أن يعترف المجتمع الدولي بها، مضيفاً أنه لا يعتقد أن الحركة غيرت معتقداتها الأساسية.

من ناحية أخرى، قال بايدن، إنه تم أخذ إمكانية حدوث فوضى في الاعتبار في قراره سحب القوات من أفغانستان.

وفي المقابلة نفسها رفض وصف عمليات انسحاب القوات الأميركية بـ«الفشل».

وقال إنه بعبارة أخرى «عندما تكون لديك حكومة أفغانية قائمة، ورئيس هذه الحكومة يستقل الطائرة ويرحل إلى بلد آخر، وعندما ترى الانهيار الكبير للقوات الأفغانية التي دربناها... 300 ألف منهم تخلوا ببساطة عن معداتهم ورحلوا». وأضاف: «هذا ما حدث بالضبط».

كما أعرب بايدن عن اعتقاده، أن الولايات المتحدة تواجه تهديداً إرهابياً من سورية ودول أخرى أكثر أفغانستان.

باريس و5 شروط

وفي باريس، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أنّه يتعيّن على «طالبان» التقيّد بـ 5 شروط مسبقة لكي يحظى نظامها باعتراف المجتمع الدولي.

وقال: «إذا كان الجيل الجديد من طالبان يريد اعترافاً دولياً فيتعيّن عليهم أولاً أن يسمحوا بخروج الأفغان، الذين يريدون مغادرة هذا البلد لأنهم خائفون، ومن ثم عليهم أن يحولوا دون أن يصبح بلدهم ملاذاً للإرهاب، وأن يسمحوا بوصول المساعدات الإنسانية، ويجب عليهم أيضاً أن يحترموا الحقوق،

ولاسيّما حقوق المرأة. إنّهم يصرّحون بذلك ولكن يجب أن يفعلوه، أما الشرط الخامس والأخير، فهو أن يشكّلوا حكومة انتقالية».

ثروة من المعادن الثمينة تحت أقدام الحركة

يختزن باطن الأرض في أفغانستان النحاس والليثيوم والأتربة النادرة، وهي معادن تعد ضرورية لتحقيق الانتقال إلى الطاقة النظيفة وحماية المناخ، ويصفها الخبراء بأنها «ثروة واعدة» صارت اليوم في أيدي «طالبان».

ويفيد أحدث تقرير سنوي عن موارد التعدين في أفغانستان صدر في يناير 2021 عن «المعهد الأميركي للدراسات الجيولوجية»، بأن أفغانستان «لديها مناجم من البوكسيت والنحاس والحديد والليثيوم والأتربة النادرة».

وفيما يحاول العالم الاستغناء عن الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، يزداد الطلب على هذه المعادن لنقل أو تخزين الكهرباء.

وهكذا ارتفع سعر النحاس، وهو عنصر أساسي في صناعة الأسلاك الكهربائية إلى مستوى تاريخي هذا العام في الأسواق العالمية، ليتجاوز 10 آلاف دولار للطن.

أما الليثيوم فهو مورد أساسي لانتقال الطاقة، إذ يُستخدم لتخزين الكهرباء في البطاريات ومنشآت توليد الطاقة الشمسية ومزارع الرياح.

في عام 2020، أدرج الليثيوم على القائمة الرسمية المكونة من 30 مادة خام تعد «حاسمة» لتحقيق الاتحاد الأوروبي الاستقلالية في مجال الطاقة، إلى جانب الكوبالت والغرافيت والسيليكون والتنتالوم على وجه الخصوص.

من جانبها، قدرت وكالة الطاقة الدولية في مايو أن الطلب العالمي على الليثيوم سيتضاعف بمقدار 40 مرة بحلول 2040.

وقال الصحافي الفرنسي، غيوم بيترون، إن أفغانستان «تعوم فوق مخزون هائل من الليثيوم لم يتم استغلاله حتى الآن». وبيترون هو مؤلف كتاب «حرب المعادن النادرة» في 2018.

وبالمثل تعد الأتربة النادرة مثل النيوديميوم أو البراسيوديميوم، أو الديسبروسيوم الموجودة أيضًا في أفغانستان ضرورية في تصنيع المغناطيس المستخدم في صناعات المستقبل مثل طاقة الرياح والسيارات الكهربائية.

كانت أفغانستان التي تعد ثرواتها الباطنية هائلة تُعرف حتى الآن بشكل أساسي بغناها بالأحجار الكريمة، مثل اللازوردن والزمرد، والياقوت، والتورمالين، وكذلك بمسحوق التلك أو الرخام.

كما أنها تنتج الفحم والمعادن التقليدية مثل الحديد.

نجل بن لادن يحذّر من الثأر

طالب عمر بن لادن، نجل مؤسس تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، حركة «طالبان» الأفغانية بعدم اللجوء إلى الثأر.

وقال بن لادن، لقناة «روسيا اليوم»: «نأمل أن يأخذوا بهدي النبي في أسرى قريش يوم فتح مكة، حيث قال لهم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهم الذين آذوه، وساموه أشد العذاب، وحاربوه، وقتلوا من أحبابه وأصحابه، خصوصا بعد ما مكّن الله لهم في أرضهم».

وأضاف ابن لادن، الذي انشق قبل عقدين عن «القاعدة»: «عليهم أن يرحموا مئات الألوف الذين لا فقه لهم ولا إدراك في ما كانوا يفعلونه زمن الحكومة السابقة، وأن يفتحوا صفحة جديدة لا يكون فيها مبدأ الثأر، وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يخففوا على الناس والنساء حتى يتقبلهم العالم ويتعامل معهم».

وتابع: «هؤلاء الشباب الذين كانوا يخدمون النظام المنهار، كثير منهم لم يدركوا حرمة ذلك، أو أن بعضهم أجبر على العمل».

واعتبر أن «الأميركان كانوا يظنون أنهم يتعاملون مع فئة ساذجة من البشر وغير قابلة للصمود أمام أعتى قوى هذا العصر، ولكن هم يشاؤون وربك يشاء».

وقال: «أميركا قبل انسحابها من أفغانستان كانت تظن أنها ستقضي على طالبان، بل وتمسحهم من الوجود، ولكن ليس هناك دولة تستطيع أن تستمر في دفع تريليوني دولار في حرب لن تنتصر فيها».

ووصف ابن لادن نظام الرئيس غني بأنه «هش ولم يكن ذا سيادة إلا تحت حماية أميركا، وحين خرجت أميركا وجد نفسه أمام قوة تحب القتال والموت، في حين تحب الجيوش العادية الحياة».وذكر: «هم يحكمون بشريعة الله، ويتبعون ما قال الله والرسول، ولا يكترثون لغيرهم، فقبيلة البشتون استطاعت أن تقف في وجه أميركا، وطبيعي أنها تستطيع الوقوف في وجه من هم دون أميركا».