روسيا والصين... أجدد أصدقاء «طالبان»
بعدما أصبحت حركة «طالبان» على وشك الانتصار في أفغانستان، تتخبط روسيا وحلفاؤها في آسيا الوسطى لاحتواء التداعيات الإقليمية المرتبطة بذلك الصراع.أعلن مسؤولون في «طالبان» يوم الاثنين أن الحرب انتهت بعد احتلالهم القصر الرئاسي في كابول، إذ يُعتبر الاستيلاء على كابول من أحدث المكاسب الكبرى التي حققتها «طالبان» على مر الشهر الأخير، فقد بدأت هذه الحركة المتطرفة ترسّخ نفسها باعتبارها السلطة السياسية الوحيدة في البلد غداة الانسحاب الأميركي من أفغانستان. لكنّ صعود «طالبان» السريع ترافق مع موجة جديدة من الفوضى الإقليمية التي بدأت تتسلل إلى طاجيكستان وأوزبكستان المجاورتَين، فتبدو المشاكل القائمة كثيرة ومعقدة، فقد بدأ آلاف اللاجئين الأفغان يتدفقون نحو طاجيكستان، منهم عدد كبير من المسؤولين والقوى في الحكومة الأفغانية، فضلاً عن مواطنين أفغان يعارضون سياسات «طالبان» المتطرفة، وقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في الأسبوع الماضي أن «طالبان» باتت تسيطر الآن على حدود أفغانستان مع طاجيكستان وأوزبكستان، مضيفاً أن المقاتلين تعهدوا بعدم التوجه إلى آسيا الوسطى، لكنّ هذه التطمينات الظاهرية تخفي مجموعة من الجوانب الخطيرة.
أولاً، لا يمكن اعتبار «طالبان» مشابهة لأي حكومة تقليدية مبنية على تسلسل عسكري واضح للقيادة، فتكشف أحدث التقارير التي ترتكز على كلام شهود عيان أن «طالبان» كلّفت الجماعة المسلحة الطاجيكية «أنصار الله» بالسيطرة على حدود طاجيكستان، علماً أن هذه الجماعة كانت قد نفذت اعتداءات إرهابية ضد مواقع تابعة للحكومة الأفغانية في أواخر عام 2020.ثانياً، تملك «طالبان» كمية كافية من الأدوات الخفية لزعزعة استقرار طاجيكستان، منها تسلل المقاتلين بين اللاجئين، وإنشاء خلايا نائمة، وتهريب المخدرات والأسلحة، ونشر التعاليم الإسلامية المتطرفة شمالاً، وفي هذا السياق، صرّحت جينيفر مورتازاشفيلي من جامعة «بيتسبيرغ» لموقع Eurasianet: «يجب ألا نبالغ في تقدير عدد هؤلاء المقاتلين الذين يسافرون من آسيا الوسطى إلى أفغانستان، لكننا استنتجنا من أحداث العقد الأخير في سورية والعراق أن عدداً صغيراً من الأفراد قد يسبب المشاكل للأنظمة». طلبت طاجيكستان مساعدة خارجية من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (تحالف أمني أوراسي مؤلف من ستة أعضاء برئاسة روسيا)، وفي حين يحرص الكرملين على التقرب من «طالبان» بحذر على أمل تقليص التداعيات الجيوسياسية الناجمة عن استمرار الاضطرابات في أفغانستان، يعبّر الروس والمسؤولون في منظمة معاهدة الأمن الجماعي عن التزامهم القوي بحماية طاجيكستان على الحدود الأفغانية الطاجيكية. قال أمين عام منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ستانيسلاف زاس: «تتابع المنظمة إعطاء الأولوية للوسائل السياسية والدبلوماسية. إذا تدهور الوضع وظهرت تهديدات على أمن جمهورية طاجيكستان، فسيتم اتخاذ جميع التدابير الجماعية اللازمة التي تنص عليها القوانين لتسهيل وصول المساعدات إلى حليفتنا».وجدت موسكو في بكين شريكة تفكّر مثلها على مستوى التعامل مع أزمة أفغانستان، لذا قررت تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة وغير مسبوقة مع جيش التحرير الشعبي على الأراضي الصينية في بداية شهر أغسطس. حتى الآن، تتفق موسكو وبكين على سياسة تطوير الروابط الدبلوماسية مع «طالبان» تزامناً مع تشديد التدابير الأمنية على الحدود الأفغانية الطاجيكية، إذ تُعتبر سفارتا روسيا والصين في كابول من البعثات الدبلوماسية الوحيدة التي لا تزال تعمل بشكلٍ طبيعي في أفغانستان، غداة موجة من عمليات إجلاء المسؤولين الغربيين في الأسابيع الأخيرة.لقد أوضحت إدارة بوتين أن التدخل العسكري الروسي المباشر في أفغانستان ليس وارداً، لكن يحذر الخبراء من احتمال أن يتغيّر هذا الوضع إذا انهارت الهدنة الأولية الشائكة التي عقدتها موسكو مع «طالبان»، فقد صرّح فاسيلي كاشين، باحث مرموق في «معهد دراسات الشرق الأقصى» في «الأكاديمية الروسية للعلوم» لموقع Nikkei Asia: «إذا برزت الحاجة إلى إرساء الاستقرار في أفغانستان أو الأراضي المجاورة، فقد نشهد تشكيل تحالف بقيادة روسيا والصين».في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أعلنت المنطقة العسكرية المركزية في روسيا أن القوات الروسية نظّمت تدريبات مشتركة مع جيوش طاجيكستان وأوزبكستان لرفع مستوى الجهوزية في وجه أي اختراق محتمل للجماعات الإرهابية المتطرفة إلى الدول الحدودية في منطقة آسيا الوسطى. في المرحلة السابقة، حصلت تدريبات عسكرية ثنائية بين روسيا وأوزبكستان في ساحة التدريب «تيرميز»، فاعتبر شويغو خلال حدث منفصل في 10 أغسطس أن روسيا ستتابع إجراء التدريبات مع شركائها الإقليميين بالقرب من الحدود الأفغانية، لأن هذه الخطوة تسهم جزئياً في طمأنة حلفاء الكرملين القلقين في آسيا الوسطى رغم انفتاح روسيا المستمر على حركة «طالبان».