مع استمرار محاصرة آلاف من المواطنين الأفغان مداخل مطار العاصمة كابول، الذي يمثل شريان الحياة الرئيسي لهم، وللأجانب الذين يحاولون الفرار من البلاد بعد سيطرة حركة «طالبان» على مقاليد الأمور، أكدت الحركة المتطرّفة التي سيطرت على مجمل المناطق في أفغانستان خلال الأيام الماضية، أنها تسعى إلى دراسة إطار الحكم المقبل في البلاد.

وقال مسؤول في الحركة، أمس، «نهدف إلى تقديم إطار لحكومة جديدة في الأسابيع المقبلة»، مشيراً إلى أن «قانونيين ودينيين وخبراء في السياسة الخارجية ضمن الحركة يسعون إلى طرح إطار حكم جديد خلال الفترة المقبلة».

Ad

ولفت إلى أن «نموذج طالبان الجديد للحكم قد لا يكون ديموقراطياً بالتعريف الغربي الدقيق، ولكنه سيحمي حقوق الجميع».

إلى ذلك، شدّد المسؤول على أن «طالبان» تواصل إجراء المشاورات مع كبار الزعماء الأفغان السابقين، وقادة الميليشيات الخاصة، مضيفاً أنها تناقش كيفية ضمان مغادرة القوى الغربية بشروط ودية.

أما عن الفوضى التي حصلت منذ الأحد الماضي في مطار كابول، فنفى أن تكون الحركة هي التي سببتها، معتبراً أنه كان يمكن للغرب ترتيب خطة أفضل للإجلاء.

وفيما يتعلق بالانتهاكات والفظائع التي ارتكبت بحق المدنيين، أشار إلى أن الحركة ستحقق في العديد من المشاكل التي تسبب بها عناصرها.

كما قال المسؤول، إن مقاتلي الحركة لم يخطفوا أي أجنبي لكن بعض الأجانب يخضعون للاستجواب قبل السماح لهم بمغادرة أفغانستان.

واستبعد وقوع حوادث خطف لأجانب، لكنه أضاف «نحن نستجوب بعضهم قبل خروجهم من البلاد».

وكانت بعض وسائل الإعلام الأفغانية تداولت عبر الإنترنت أمس، تقارير تتحدث عن احتجاز الحركة نحو 150 شخصاً، معظمهم هنود، في محيط مطار العاصمة كابول.

الرجل الثاني

وبعد 6 أيام على دخول «طالبان» إلى كابول، وصل الرجل الثاني في الحركة الملا عبدالغني برادر إلى العاصمة الأفغانية لتشكيل «حكومة شاملة».

وكان الملا برادر عاد إلى أفغانستان السبت الماضي، بعد يومين على إحكام «طالبان» سيطرتها على البلد، قادماً من قطر حيث كان يقود المكتب السياسي للحركة. وقال قيادي كبير في الحركة، إن برادر «حضر إلى كابول للقاء قادة جهاديين وسياسيين من أجل تشكيل حكومة شاملة».

وبرادر كان أول قيادي رفيع المستوى في الحركة يعود علنا إلى أفغانستان منذ أن أطاح تحالف تقوده الولايات المتحدة «طالبان» من الحكم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001.

قوات المقاومة

ميدانياً، أعلن القائم بأعمال وزير الدفاع في الحكومة المنهارة، بسم الله محمدي، أن «قوات المقاومة الشعبية انتزعت السيطرة على 3 مناطق في ولاية بغلان» شمال البلاد من «طالبان».

وكتب محمدي على «تويتر» أمس الأول، أن «قوات المقاومة» استعادت السيطرة على مناطق بل حصار وده صلاح وبنو في بغلان، مضيفاً: «المقاومة لا تزال على قيد الحياة».

وتأتي هذه التغريدة على خلفية تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي أنباء غير مؤكدة عن اندلاع اشتباكات بين «طالبان» والسكان المحليين في منطقة اندراب في الولاية، بعد وصول مجموعة من المسلحين إلى المنطقة بهدف مداهمة منازل السكان المحليين.

وحسب النشطاء، تمكن السكان المحليون من قتل 7 مسلحين وأسر 13 آخرين والاستيلاء على عربتين مزودتين بالرشاشات، وتشهد المنطقة حالياً توسيع رقعة القتال.

في غضون ذلك، يعمل مسؤولو الأمن القومي في الولايات المتحدة على حصر قائمة الأسلحة التي قدمتها واشنطن إلى الجيش الأفغاني خلال 20 عاماً، خصوصاً بعد ظهور عدد من مسلحي «طالبان» وهم يحملون بنادق أميركية ويقودون مركبات «همفي».

وبحسب شبكة CNN، فمن المرجح ألا تقتصر الترسانة العسكرية الأميركية التي استولت عليها «طالبان» على الأسلحة الخفيفة، إذ يعتقد أن الحركة استولت على مخازن أسلحة تحتوي ذخيرة وأسلحة ومركبات، بما في تلك المضادة للألغام.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن «طالبان» صارت تمتلك حالياً عدة طائرات مروحية من طراز «بلاك هوك»، إضافة إلى 20 طائرة مقاتلة من طراز «سوبر توكانو».

بايدن والإجلاء

وفي واشنطن، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن عمليات الإجلاء الكثيفة في مطار كابول هي «من الأصعب والأخطر في التاريخ ولا يمكن ضمان نتيجتها النهائية» إلا أنه تدارك قائلاً: «لكن بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة يمكنني أن أؤكد لكم أنني سألجأ إلى كل الوسائل الممكنة».

وعلقت عمليات الإجلاء ساعات عدة في مطار العاصمة الأفغانية بسبب اكتظاظ القواعد الأميركية في الخليج، ولاسيما في قطر إلى حيث تم نقل الأشخاص الخارجين من أفغانستان في مرحلة أولى، على ما أقر مسؤول في «البنتاغون».

وقال بايدن خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض وهو محاط بنائبته كامالا هاريس ووزيري الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، إن «هذا الجسر الجوي من الأضخم والأصعب في التاريخ والولايات المتحدة هي البلد الوحيد القادر على تنظيم مثل هذه العمليات».

وفي ثاني خطاب متلفز له خلال بضعة أيام اعترف بايدن بأنه لايستطيع أن يعد «بما ستكون عليه النتيجة النهائية ولا بأنه لن يكون هناك مخاطر وقوع خسائر بشرية»، مؤكداً في الوقت ذاته أن «حلفاءنا في العالم لا يشككون في مصداقيتنا» في هذه العملية رغم مشاهد الفوضى أخيراً في مطار العاصمة الأفغانية.

وأعلن «البنتاغون» أمس الأول، أن الجيش الأميركي نشر 3 مروحيات عسكرية من طراز «شينوك» خارج محيط المطار الآمن إلى فندق قريب هو «فندق البارون»، وأجلت 169 أميركياً.

وهذه أول مرة منذ بداية الأزمة يستعرض الجيش الأميركي قدرته على مغادرة المحيط الآمن للمطار، من أجل مساعدة الراغبين في مغادرة البلاد.

ومعظم الذين يتم إجلاؤهم رعايا أميركيون سمحت لهم «طالبان» بالمرور. لكن العديد من الأفغان وخصوصاً ممن عملوا لحساب الولايات المتحدة ويحملون تأشيرات هجرة خاصة (اس آي في) لأنفسهم ولأقاربهم لا يستطيعون الوصول إلى المجمع الذي يتولى ضمان أمنه أكثر من 5 آلاف جندي أميركي.

واستمر، أمس، آلاف الناس في التدفق على مطار كابول، وهم محصورون بين حواجز تفتيش تابعة لـ»طالبان» وأسلاك شائكة نصبها الجيش الأميركي.

وفي بروكسل، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أمس، إن «الاتحاد الأوروبي لم يعترف بطالبان ولا يجري محادثات سياسية معها».

إعدامات انتقامية وقوائم اعتقال

رغم تعهد حركة «طالبان» بالعفو عن معارضيها وعدم الانتقام منهم، أظهر مقطع فيديو اللحظات الأخيرة في حياة قائد بالشرطة الأفغانية قبل قيام مسلحي الحركة بإعدامه رميا بالرصاص، انتقاماً.

ويظهر في الفيديو الجنرال مولا أشاكزاي، قائد الشرطة بولاية بادغيس، وهو يجثو على ركبتيه معصوب العينين قبل قيام المسلحين بتصفيته بعدد كبير من الأعيرة النارية، حتى سقط أرضا ملطخا بدمائه.

كما أظهر فيديو آخر القائد الأفغاني حيا يرزق لحظة اعتقاله قبل أن يتم إعدامه وهو يصرح باسمه وهويته، معلناً استسلامه.

وكان المسلحون اعتقلوا أشاكزاي بعد قتاله لهم قرب مدينة هيرات، قبل سيطرة الحركة على معظم أنحاء البلاد، الأحد الماضي.

يأتي هذا بالتزامن مع كشف وثيقة سرية للأمم المتحدة أن «طالبان وضعت لوائح ذات أولوية ونفذت زيارات هادفة لمنازل الأفراد الذين تريد توقيفهم ولمنازل أفراد عائلاتهم، وكثّفت عمليات البحث عن أفغان تعاملوا مع القوات الأميركية والأطلسية».

كذلك كشف أن «طالبان» تدقق في هويات الأشخاص الراغبين في الوصول إلى مطار كابول، وأقامت نقاط تفتيش في المدن الكبرى، بما فيها العاصمة وجلال آباد.

والأكثر عرضة للخطر هم مَن شغلوا مناصب مسؤولية في صفوف القوات المسلحة الأفغانية والشرطة والمخابرات.

وذكرت صحيفة «دويتشه فيله» الألمانية على موقعها الإلكتروني، أن أفرادا من «طالبان» كانوا يبحثون عن صحافي يعمل لحسابها يقطن حاليا في ألمانيا، قتلوا أحد أفراد عائلته بالرصاص الأربعاء الماضي في أفغانستان وأصابوا آخر.

لكن الحركة تنفي كل تلك التقارير، وتقول إنها تمنع جماعتها من دخول المنازل من دون تلقي الأوامر بذلك.