للمرة الأولى تحوّل لبنان إلى ساحة مباشرة للمواجهة الأميركية - الإيرانية، بعد أن كان ساحة غير مباشرة لتبادل الرسائل، إذ شهدت الأيام الماضية تطوراً في المواجهة، لاسيما بعد إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله عن إبحار سفينة محروقات إيرانية إلى لبنان. وسريعاً ردّت السفيرة الأميركية على موقف نصر الله بإعلان السماح للبنان باستقدام الغاز المصري عبر الأردن وسورية، وهو مسعى جرت المحاولات في سبيله قبل فترة، لكن اختيار توقيت إعلانه كانت له أسبابه البعيدة. والأهم أن السفيرة الأميركية عادت إلى الردّ بشكل مباشر على كلام نصر الله، بعد انقطاع طويل عن الظهور الإعلامي بهذا الشكل.

سابقاً وأيام ولاية دونالد ترامب الرئاسية ومسعى التصعيد الأميركي الواضح حينها ضد «حزب الله» كانت السفيرة ترد على نصر الله إعلامياً في أكثر من مناسبة، ثم انقطعت عن ذلك مع دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، لكن التعقيدات التي تحيط بالتفاوض الإيراني - الأميركي ترخي بظلالها على تصعيد المواقف.

Ad

هذا الواقع من شأنه تعقيد المواقف أكثر فأكثر في الداخل اللبناني، وينعكس سلباً على مسار تشكيل الحكومة، خصوصاً أن رئيسها المكلف نجيب ميقاتي يستند في مساعيه إلى دعم غربي، ويراهن على غطاء أميركي لمهمته، وبالتالي سيكون محرجاً أمام مواقف نصر الله ودخول النفط الإيراني، وسيكون مطالباً أميركياً بموقف واضح وصريح من هذا التطور ليُبنى على الشيء مقتضاه. مهمة ميقاتي ستكون بالغة التعقيد، وسيظهر كرئيس حكومة غير قادر على اتخاذ قرار، بينما نصر الله هو صاحب القرار الفعلي. وإلى جانب ذلك، لا تزال العُقد بين ميقاتي والرئيس ميشال عون تتزايد، وعلى الرغم من إشاعة الأجواء الإيجابية بينهما والاستعداد للتعاون، فلا تزال الكواليس تضج بتقاذف المسؤوليات واتهام أحدهما الآخر بتنفيذ انقلاب على الشروط المتفق عليها في سبيل تشكيل الحكومة.

كل هذه الوقائع تؤكد أن الأزمة اللبنانية أصبحت أعقد من مجرد تشكيل الحكومة، فلبنان يجد نفسه على مفترق طرق خطير، يتجاذبه النفط الإيراني والذي سيُدخله في عزلة دولية وعربية أكبر، وسيؤدي إلى المزيد من التعقيدات داخلياً، فضلاً عن احتمال صدور بعض الإجراءات العقابية، وبما أن طهران خاضعة لعقوبات ولا يمكن لأي دولة أن تستورد المنتجات النفطية منها، يحاول «حزب الله» الالتفاف على هذا الأمر بجعل الباخرة المحملة بالديزل ملكاً لرجال أعمال من الطائفة الشيعية، فلا تتحمل الدولة اللبنانية ومؤسساتها وزر استيراد الشحنة، بينما السؤال الأساسي حالياً هو: كيف سيتم تفريغ حمولة الباخرة، وأين سترسو؟ هناك احتمال أن تتجه الباخرة إلى الشواطئ اللبنانية ويتم تفريغها في صهاريج تابعة للحزب، على أن يتم التوزيع فيما بعد على المستشفيات والأفران. وهناك احتمال آخر هو رسو الباخرة في مرفأ بانياس، على أن يتم نقل المحروقات براً من الأراضي السورية.

أمام هذا الطريق، الذي اختاره «حزب الله»، هناك طريق آخر يمكن للبنان سلوكه بعد إعلان السماح باستيراد الغاز المصري عبر الأردن وسورية. وهو انضمام لبنان إلى خط الغاز المصري - الأردني، وهنا لابد من الإشارة إلى أن خط الغاز المصري لديه اشتراك مع خط الغاز الإسرائيلي، وهذا كله يندرج في سياق تحالف دول المتوسط، أي يتوسع ليشمل قبرص واليونان وإيطاليا. بشكل أوضح يقود هذا الصراع لبنان إلى صراع على الوجهة السياسية للبلد، وأياً من الوجهتين سيختار. لابد من الإشارة إلى أن استيراد لبنان للغاز المصري يحتاج إلى وقت طويل بانتظار إصلاح الأنابيب وتوفير الأمن اللازم في جنوب سورية، ولابد من الإشارة إلى أن معارك درعا الأخيرة ترتبط بحسابات تمرير هذا الخط. وهذه النقطة لا يمكن فصلها عن مسار ترسيم الحدود في جنوب لبنان، الذي سيصبح ساحة تجاذب سياسي أميركي - إيراني في المرحلة المقبلة، رهناً بمصير مفاوضات الاتفاق النووي، وما قد ينتج عنه من تفاهمات تتعلق بمناطق النفوذ وضبط المعابر والمرافق وحركة الصواريخ الدقيقة.

منير الربيع