الصيد في السودان
في مطلع عام 1983، ألّح أصدقاء ديوانيتي لتنظيم رحلة صيد للسودان، بوصفنا من محبي طلعات البر والكشتات والصيد، فلم يكن لي مفر إلا تلبية طلب الأصدقاء الأعزاء، وقمنا بتجهيز بنادق الصيد بكل أنواعها، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الذخيرة (الفشغ) مُغلفة جيداً بداخل صناديق خشبية، واتصلنا بمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية لإبلاغها شحن الأسلحة والذخيرة إلى الخرطوم بالطريقة القانونية، إلا أن المؤسسة اعتذرت لأسباب أمنية، وليس لدينا إلا خياران، إما الغاء الرحلة أو الاتصال بالأصدقاء في الخرطوم للتصرف في هذا الموضوع!ومالت كفة الخيار الثاني، وأبدى الأخ العزيز السفير خليفة المسلم ومساعده الأخ العزيز عبدالعزيز الهويشل استعدادهما لتوفير كل احتياجاتنا وما علينا إلا ان نأتي فقط بحقائبنا الشخصية!حلقت بنا الطائرة الكويتية قبل وقت الغروب فوق ملتقى النيل الأزرق مع النيل الأبيض في انخفاض رائع لامتداد نهر النيل الخالد، وقام قائد الطائرة بالدوران عدة مرات للفت أنظار الركاب لتصوير هذه اللوحة الجميلة التي من صنع الخالق!
الاستعدادات لرحلة الصيد كانت كاملة في كل شيء، سيارتان جيب وبنادق صيد وذخيرة وتموين غذائي، ورفقاء من الأصدقاء السودانيين، وهؤلاء محترفون للصيد، منهم محافظ الخرطوم مأمون مكي، فهو لا يخطئ الهدف على الإطلاق لخبرته بالقنص!نمنا ليلتنا بفندق الهيلتون الذي شيدته شركة الفنادق الكويتية بالخرطوم بعد عشاء كويتي رائع أقامه السفير، وفي الصباح الباكر انطلقنا إلى خارج الخرطوم لمسافات بعيدة في الصحراء السودانية!العجيب عندهم في الصحراء أن لون الرمال حمراء مع شجيرات متناثرة جرداء وعرفنا أن الغزلان والحيوانات البرية الأخرى تأكل الفروع الخضراء وتتركها على حالها حتى موسم الأمطار لتزدهر مرة أخرى!لم نشعر بمسافة الطريق بعد أن أمضينا بضع ساعات في المسير لأننا نود مشاهدة كل شيء أمامنا لاختلاف البيئة عن الكويت ونستمع كذلك إلى اجابة الإخوة السودانيين عن الأسئلة التي تخطر على البال، وأما أحاديثهم فهي شيقة وممزوجة بالفكاهة والكل يعرف ذلك!كان في "الجيب" الذي أمامنا "الدليل" في شؤون الصحراء السودانية، علي أبوالزول، ولولاه لضللنا الطريق في هذا المكان المقطوع عن البشر!ومعه أيضاً ثلاثة من الشباب السودانيين اعمارهم لا تتجاوز العشرين، وعندما استفسرنا من الصديق مأمون مكي محافظ الخرطوم عن هؤلاء قال: هؤلاء "موالون" لنا نشتريهم من الجنوب ويتربون عندنا ويخدموننا ولا نقصر عليهم مثل ابنائنا، استغربنا هذا الكلام، فلسنا في زمن الرق والعبودية، ولم نُعلق على ما سمعنا، لكوننا ضيوفاً عندهم، ولكي لا تنقلب رحلة الصيد إلى اختلافات في وجهات النظر، وأجلنا بحث الموضوع حتى العودة إلى الخرطوم!هبط المساء فجأة وبزغ القمر بدراً بين النجوم وهي تتراقص متلألئة بلون فضي وصلينا المغرب والعشاء ودعونا الله ان يرزقنا بصيد ثمين من الغزلان في صباح الغد! قام الشباب الثلاثة الذين حدثتكم عنهم بتحضير وجبة العشاء وأخذ الأصدقاء السودانيون الآخرون يتبارون في محاورات شعرية وقصائد لامرئ القيس وعنترة وطرفة بن العبد وامتدت جلسة السّمر الرومانسية حتى ساعة متأخرة من الليل، ولكن علينا الاستيقاظ مبكراً قبل طلوع الشمس للصيد! الاتفاق بيننا ألا نصيد إناث الغزلان للمحافظة عليها من الانقراض، والصيد للذكور فقط، ويجب ان نعرف ان خلف رقبة الذكر خطاً أسود كي لا نخطئ عند الرمي! والاستدلال على وجود الغزلان يحتاج إلى قوة نظر، فعند مشاهدة غبار يتطاير، من بُعد، فهو دلالة على وجود غزلان قد غيرت مكانها للهروب عندما سمعت أصوات حركة السيارات، وعلينا أن نتجه فوراً إلى مكان الغبار البعيد، وهي كالعادة تتفرع في عدة اتجاهات عندما تشعر بالخطر، وعلى الماهر في الصيد أن يصيب الرأس، وحينئذ يتدحرج ذكر الغزال مثل الكرة ويندفع إلى مسافة طويلة!والشباب (الموالون) في الجيب الآخر عليهم القفز لالتقاط الصيد!بعد صيد ثلاثة ذكور من الغزلان، اكتفينا بذلك ولم نطلب المزيد واسترحنا تحت شجرة صغيرة لإعداد وجبة الإفطار من أكباد الغزلان!وعند العودة للخرطوم استقبلنا الإخوة السودانيون بدعوات غداء وعشاء عديدة، والحقيقة أن طبعهم الكرم والطيبة، وحملونا بهدايا تذكارية جميلة من الصناعات الجلدية من جلود الثعابين والتماسيح، وقدموا كذلك هدايا لا تخطر على البال، وهي خمسة قرود حقيقية لأخذها معنا للكويت واستخرجوا لها إذن تصدير وتذاكر سفر للشحن معنا في الطائرة!فعندما وصلنا إلى الكويت بالسلامة، لتسلم أمتعتنا وجدنا أقفاص القرود قد سبقتنا عند الأمتعة والناس حولها لمشاهدتها!وبخصوص مصير هذه القرود، فلقد وضعناها في بيوتنا بمنطقة الشامية، وسببت لنا الإزعاج والمشاكسة كونها جميعا من الذكور، وهرب بعضها من الأسر!أما أصدقاء الرحلة فهم الإخوة الأعزاء، عبدالعزيز يوسف بودي، بدر سعود عبدالعزيز الصالح، مساعد جاسم حمد المطر، عبدالله أحمد بدر الحوطي.